بحث شامل حول ازمة العقلانية
3 مشترك
شهد القلوب :: شهد الأدبية :: المكتبة
صفحة 1 من اصل 1
بحث شامل حول ازمة العقلانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ازمة العقلانية
خطة البحث
* مقدمة
-مدخل مفاهيمي
- الفصل الاول
المواقف المتباينة للعقلانية قبل ظهور الفكر
- الفصل الثاني
طبيعة الموقف البشلاريقي من التحولات العلمية
*خاتمة
*قائمة المراجع
ازمة العقلانية
خطة البحث
* مقدمة
-مدخل مفاهيمي
- الفصل الاول
المواقف المتباينة للعقلانية قبل ظهور الفكر
- الفصل الثاني
طبيعة الموقف البشلاريقي من التحولات العلمية
*خاتمة
*قائمة المراجع
عبير الروح- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 29839
نقاط : 115307
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مقدمة
سعت الفلسفة منذ بداياتها الأولى أن تُلّم بأغلب مجالات المعرفة وأن تتوغل في طبيعة الكثير من المفاهيم، وقد كان لها ذلك، حيث شكّلت العقلانية مثلا جانبا واسعا من اهتماماتها خلال حقبة تاريخية طويلة، هذه الحقبة التي كان من الصعب تقصيرها في بعض من آراء الفلاسفة المهتمين بدراستها، لكن كان لابد مع ذلك من محاولة، انتهت إلى أجزاء من الفلسفة اليونانية، الوسيطية والحديثة بالإضافة إلى المعاصرة، وذلك بهدف الإلمام -على الأقل- بأغلب مراحل العقلانية، قبل تتبعها بصفة خاصة مع فيلسوف واحد من مجموع هؤلاء الفلاسفة "باشلار".
وعليه فيما تمثلت المساهمات التي تتبعها الفلاسفة القدماء والمعاصرون عن العقلانية، وهل يتجلى لنا بذلك مشروع مبادرة كاملة أم أن لهذا المفهوم تجاوزات أخرى لم تقف عند حدود ما قدم هؤلاء؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أ- الأزمـة Crise:
• الأزمـة في اللغـة: الأزمة في الجمع: "آَزْمْ و إِزَمْ وأزمات ومعناها: الضيق والشدّة والقحط" وأَزَمَ عن الشيء: أي أمسك عنه وأَزَمَ على الشيء أًَزْمََا عضّ بالفم كله عضّا شديدا، وتأزمَ أصابته أزمة.
• الأزمة في الاصطلاح: أما في الاصطلاح فالأزمة هي: "تغيير حاسم خلال تطور من التطورات يحدث بمقتضاه نـزاع، يسبب انقطـاع عنيف في التوازن" .
وللأزمة جذور في الفلسفة الإغريقية Krisis وتعني : قرار.
ومن معاني الأزمة الاصطلاحية أنها: وقتٌ يتسم بالصعوبة والخطر والقلق من المستقبل، ووجوب اتخاذ قرار محدد وحاسم في فترة زمنية محددة.
ب- العقـل Raison:
• العقل في اللغـة: العقل مصدر من فعل: "عَقِلَ يعقِلُ عقلا فهو عاقلٌ والعقلُ والمعقول بمعنى واحد، ويقال: العقلُ هو العلم. كما تتفق كلمة اللغويين على اعتبار أصل لفظ العقل هو المنعُ والحَبسُ".
والعقل كذلك هو: "الحجر والنهي، فهو ضد الحُمق، بمعنى أن العاقل هو من يحبس نفسه ويردها عن هواها، وسمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسهُ".
• العقل في الاصطلاح: -يطلق العقل في الاصطلاح على ملكة الفهم التي تختص بإدراك العلاقات الذهنية، ويرادفه الفكر أو الروح أي أنه قوة تدرك صفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها.
• المفهوم الفلسفي للعقل: العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها، أو أنه قوة النفس التي بها يحصل تصور الماضي وتأليف القضايا والأقيسة، وقوة تجريد الـصـورة عن المادة وعن لواحقها.
ج- العـقلانية Rationalisme:
تعني العقلانية الالتزام بمقاييس العاقلية، والعقلاني هو الشخص الذي لديه إيمان قوي بقيمة العقل والمحاجة العقلية.
فالعقلانية مذهب في المعرفة البشرية، وهنا نتبين قدرة العقل في توليد المعرفة وهيكلتها على صورة نوعية عامة في أفراد النوع البشري.
د- المذهب العقلاني Doctrine Rationaliste:
مذهـب يقوم على العقـل، وهو المذهب الذي يتعارض مع المـذهب التجريبي في أصـل معارفنا، ويؤكد المذهب العقلاني أنـه حتى وإن اكتشفنا أفكـارنا احتكاكا بالتجربـة، فهذا لا يعني أن أفكـارنا هذه لا تنبثق من العقل، وبالتالي لا يعني أنها تنبثـق من العـادة وتكرار الأمور فقط.
هـ- المذهب العقلي Intellectualisme:
يُرجع المذهب العقلي "العقل البشري إلى ملكة إدراك النٌسب بين الأشياء القائمة في عالم المحسوس (علم الرياضيات والفيزياء)، في حين يميز المذهب العقلاني بخلاف ذلك بين العقل وملكة الفهم وبين الإنسان والفيلسوف" .
لـذا "يميز أصحاب المذهب العقلي اهتماماتهم بالعقل مصدرا لكل صنوف المعرفة الحقيقة التي تتميز بالضرورة والشمول".
و- المعرفة العقلية Connaissance Rationnelle :
يذهب العقلانيون إلى أن المعرفة العقلية معرفة حقة لتميزها بخصال ثلاث أساسية وهي:
- مطلقة Absolue أي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
- ضرورة Necessaire واضحة بذاتها وتفرض نفسها بشكل حتمي.
- كليـة Universelle بمعنى أنها عامة ومشتركة بين جميع الناس.
ز- الفكـر Pensée:
هو كل ما ندركه بالوعي، أي أن الفكر يـدل على فعل التأمل أو على ما ينـتج عن هذا التأمل.
ح- العلـم Science:
العلم هو :"المعرفة وقد يدل على معرفة نظرية (علم الرياضيات مثلا) كما يدل على مهارة عملية أو تقنية وقد يعني هذا المصطلح بصورة أعم مجموعة العلوم (الرياضيات ،علم الفلك، علم البيولوجيا، العلوم الإنسانية...)".
ويعرّف العلم من ناحية أخرى على أنه أحد ميادين النشاط البشري والذي يعمل على دراسة الأشياء والعمليات في الطبيعة والمجتمع والفكر وصفاتها وكذا علاقاتها وقوانينها.
ط- الفكر العلمي Esprit Scientifique:
أما الفكر العلمي فهو :"استعدادٌ مسبق من قبل الفكر لتقبل العلوم أي لتقبل معرفة موضوعية وكلية ويقال في المعنى ذاته الفكر الوضعي ويتميز الفكر العلمي برفض الاعتماد على الانطباعات الذاتية والتقليد".
ي- الفلسفة الغربية المعاصرة La philosophie contemporaraine:
"اسم يطلق على مجموعة من الفلسفات المختلفة التي ظهرت المائة عام الماضية تقريبا".
كما تحـاول الفلسفة المعاصرة أن تعيد معالجة موضوعات الفلسفة القديمة وصياغتها بطرق جديدة.
وتتميز الفلسفة المعاصرة بمحاولتها "التجديد والاستمرار، وذلك نظرا لزيادة التبادل الثقافي بين مختلف أرجاء العالم، وأثرا طبيعيا لزيادة الثورة المعلوماتية".
ك- النسـق Système:
• النسق في اللغـة: النسق في اللغة هو ما كان على نظام واحد في كل شيء.
• النسق في الاصطلاح: مجموعة من العناصر المتداخلة والتي تشكل كلا واحدا، ثم إن للنسق معنا منطقيا وهو: أنه مجموعة من القضايا المرتبة في نظام معين بعضها مقدمات لا يبرهن عليها في النسق ذاته، والبعض الآخر يكون نتائج مستنبطة من هذه المقدمات.
ل- القبلي والبعدي Apriorisme et posteriorisme:
تعني كلمة "قبلي ما هو غير تجريبي، أو ما هو مستقل عن الخبرة الحسية، أما كلمة بعدي فتعني ما هـو مشتق من هذه الخبـرة، والقبلي والبعدي صفتان تسنـدان إلى تصورات أو إلى قضايا".
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن هذه المصطلحات –السالفة الذكر- لم ترد اعتباطا، وإنما تنتهي في الحقيقة إلى تحديد الطابع العام لهذه المذكرة، أي أن الجمع بينها -وان كانت لا تؤدي معنى واحد- يُفسر لنا أنه: قد حدث تغير حاسم (أزمة) خلال تطور المفهوم الذي يؤمن بقيمة العقل والمحاجة العقلية (العقلانية)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مقدمة
سعت الفلسفة منذ بداياتها الأولى أن تُلّم بأغلب مجالات المعرفة وأن تتوغل في طبيعة الكثير من المفاهيم، وقد كان لها ذلك، حيث شكّلت العقلانية مثلا جانبا واسعا من اهتماماتها خلال حقبة تاريخية طويلة، هذه الحقبة التي كان من الصعب تقصيرها في بعض من آراء الفلاسفة المهتمين بدراستها، لكن كان لابد مع ذلك من محاولة، انتهت إلى أجزاء من الفلسفة اليونانية، الوسيطية والحديثة بالإضافة إلى المعاصرة، وذلك بهدف الإلمام -على الأقل- بأغلب مراحل العقلانية، قبل تتبعها بصفة خاصة مع فيلسوف واحد من مجموع هؤلاء الفلاسفة "باشلار".
وعليه فيما تمثلت المساهمات التي تتبعها الفلاسفة القدماء والمعاصرون عن العقلانية، وهل يتجلى لنا بذلك مشروع مبادرة كاملة أم أن لهذا المفهوم تجاوزات أخرى لم تقف عند حدود ما قدم هؤلاء؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أ- الأزمـة Crise:
• الأزمـة في اللغـة: الأزمة في الجمع: "آَزْمْ و إِزَمْ وأزمات ومعناها: الضيق والشدّة والقحط" وأَزَمَ عن الشيء: أي أمسك عنه وأَزَمَ على الشيء أًَزْمََا عضّ بالفم كله عضّا شديدا، وتأزمَ أصابته أزمة.
• الأزمة في الاصطلاح: أما في الاصطلاح فالأزمة هي: "تغيير حاسم خلال تطور من التطورات يحدث بمقتضاه نـزاع، يسبب انقطـاع عنيف في التوازن" .
وللأزمة جذور في الفلسفة الإغريقية Krisis وتعني : قرار.
ومن معاني الأزمة الاصطلاحية أنها: وقتٌ يتسم بالصعوبة والخطر والقلق من المستقبل، ووجوب اتخاذ قرار محدد وحاسم في فترة زمنية محددة.
ب- العقـل Raison:
• العقل في اللغـة: العقل مصدر من فعل: "عَقِلَ يعقِلُ عقلا فهو عاقلٌ والعقلُ والمعقول بمعنى واحد، ويقال: العقلُ هو العلم. كما تتفق كلمة اللغويين على اعتبار أصل لفظ العقل هو المنعُ والحَبسُ".
والعقل كذلك هو: "الحجر والنهي، فهو ضد الحُمق، بمعنى أن العاقل هو من يحبس نفسه ويردها عن هواها، وسمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسهُ".
• العقل في الاصطلاح: -يطلق العقل في الاصطلاح على ملكة الفهم التي تختص بإدراك العلاقات الذهنية، ويرادفه الفكر أو الروح أي أنه قوة تدرك صفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها.
• المفهوم الفلسفي للعقل: العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها، أو أنه قوة النفس التي بها يحصل تصور الماضي وتأليف القضايا والأقيسة، وقوة تجريد الـصـورة عن المادة وعن لواحقها.
ج- العـقلانية Rationalisme:
تعني العقلانية الالتزام بمقاييس العاقلية، والعقلاني هو الشخص الذي لديه إيمان قوي بقيمة العقل والمحاجة العقلية.
فالعقلانية مذهب في المعرفة البشرية، وهنا نتبين قدرة العقل في توليد المعرفة وهيكلتها على صورة نوعية عامة في أفراد النوع البشري.
د- المذهب العقلاني Doctrine Rationaliste:
مذهـب يقوم على العقـل، وهو المذهب الذي يتعارض مع المـذهب التجريبي في أصـل معارفنا، ويؤكد المذهب العقلاني أنـه حتى وإن اكتشفنا أفكـارنا احتكاكا بالتجربـة، فهذا لا يعني أن أفكـارنا هذه لا تنبثق من العقل، وبالتالي لا يعني أنها تنبثـق من العـادة وتكرار الأمور فقط.
هـ- المذهب العقلي Intellectualisme:
يُرجع المذهب العقلي "العقل البشري إلى ملكة إدراك النٌسب بين الأشياء القائمة في عالم المحسوس (علم الرياضيات والفيزياء)، في حين يميز المذهب العقلاني بخلاف ذلك بين العقل وملكة الفهم وبين الإنسان والفيلسوف" .
لـذا "يميز أصحاب المذهب العقلي اهتماماتهم بالعقل مصدرا لكل صنوف المعرفة الحقيقة التي تتميز بالضرورة والشمول".
و- المعرفة العقلية Connaissance Rationnelle :
يذهب العقلانيون إلى أن المعرفة العقلية معرفة حقة لتميزها بخصال ثلاث أساسية وهي:
- مطلقة Absolue أي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
- ضرورة Necessaire واضحة بذاتها وتفرض نفسها بشكل حتمي.
- كليـة Universelle بمعنى أنها عامة ومشتركة بين جميع الناس.
ز- الفكـر Pensée:
هو كل ما ندركه بالوعي، أي أن الفكر يـدل على فعل التأمل أو على ما ينـتج عن هذا التأمل.
ح- العلـم Science:
العلم هو :"المعرفة وقد يدل على معرفة نظرية (علم الرياضيات مثلا) كما يدل على مهارة عملية أو تقنية وقد يعني هذا المصطلح بصورة أعم مجموعة العلوم (الرياضيات ،علم الفلك، علم البيولوجيا، العلوم الإنسانية...)".
ويعرّف العلم من ناحية أخرى على أنه أحد ميادين النشاط البشري والذي يعمل على دراسة الأشياء والعمليات في الطبيعة والمجتمع والفكر وصفاتها وكذا علاقاتها وقوانينها.
ط- الفكر العلمي Esprit Scientifique:
أما الفكر العلمي فهو :"استعدادٌ مسبق من قبل الفكر لتقبل العلوم أي لتقبل معرفة موضوعية وكلية ويقال في المعنى ذاته الفكر الوضعي ويتميز الفكر العلمي برفض الاعتماد على الانطباعات الذاتية والتقليد".
ي- الفلسفة الغربية المعاصرة La philosophie contemporaraine:
"اسم يطلق على مجموعة من الفلسفات المختلفة التي ظهرت المائة عام الماضية تقريبا".
كما تحـاول الفلسفة المعاصرة أن تعيد معالجة موضوعات الفلسفة القديمة وصياغتها بطرق جديدة.
وتتميز الفلسفة المعاصرة بمحاولتها "التجديد والاستمرار، وذلك نظرا لزيادة التبادل الثقافي بين مختلف أرجاء العالم، وأثرا طبيعيا لزيادة الثورة المعلوماتية".
ك- النسـق Système:
• النسق في اللغـة: النسق في اللغة هو ما كان على نظام واحد في كل شيء.
• النسق في الاصطلاح: مجموعة من العناصر المتداخلة والتي تشكل كلا واحدا، ثم إن للنسق معنا منطقيا وهو: أنه مجموعة من القضايا المرتبة في نظام معين بعضها مقدمات لا يبرهن عليها في النسق ذاته، والبعض الآخر يكون نتائج مستنبطة من هذه المقدمات.
ل- القبلي والبعدي Apriorisme et posteriorisme:
تعني كلمة "قبلي ما هو غير تجريبي، أو ما هو مستقل عن الخبرة الحسية، أما كلمة بعدي فتعني ما هـو مشتق من هذه الخبـرة، والقبلي والبعدي صفتان تسنـدان إلى تصورات أو إلى قضايا".
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن هذه المصطلحات –السالفة الذكر- لم ترد اعتباطا، وإنما تنتهي في الحقيقة إلى تحديد الطابع العام لهذه المذكرة، أي أن الجمع بينها -وان كانت لا تؤدي معنى واحد- يُفسر لنا أنه: قد حدث تغير حاسم (أزمة) خلال تطور المفهوم الذي يؤمن بقيمة العقل والمحاجة العقلية (العقلانية)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 29839
نقاط : 115307
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
- الفصل الاول
المواقف المتباينة للعقلانية قبل ظهور الفكر
إن العقل في الحقيقة قديم قدَم البشرية،وجد مع الإنسان مع أول الإنسان ....ولكن قد يجوز القول إنَ العقل في مفهومه الفلسفي والعلمي لم يوجد إلا بتشكل الحضارات، كحضارات الشرق القديم (مصر-بابل – الهند ...).
كما يذكر في مواضع أخرى أن حضور المعرفة العقلية لم يبدأ جديا إلا مع الحضارة الإغريقية اليونانية ،فقد حاول العقل الإغريقي أن يعبر عن نفسه أساسا في الخطابات،وذلك انطلاقا من تحليل أشكال الحجاج الشفوي والقواعد المتحكمة في استعمال اللغة.
ومنه واعتمادا على هذه الآراء حاولت في هذا المبحث أن أتوقف-قليلا-على ماكان عليه العقل في نظر بعض الفلاسفة الذين سبقوا الفترة المعاصرة، وأقصد بذلك الفترة الممتدة من العصر اليوناني إلى العصر الحديث وبالتحديد من" هيراقليطس"(540-475ق.م)Héraclite إلى "هيجل"(1770-1831م) Hegel ولكن ليس كل الفلاسفة الممتدين خلال هذه الحقبة وإنما ركزتُ على هؤلاء الذين كان لــ "بـاشلار" التفاتا لمفاهيمهم للعقل والعقلانية، وبعضهم الآخر نظرا لحضورهم الغالب في الفلسفة عامة.
1)- في الفلسفة اليونانية والوسيطية:
وعليه يمكن القول بداية أن "هيراقليطس" قد قال بفكرة "اللوغوس Logos أو العقل الكونيLa Raison Universelle أي أنه يوجد –بنظره- قانون كلي يحكم الظواهر ويتحكم في صيـرورتها الدائمة الأبدية، والعقل الكوني محايثٌ للطبيعة، ومنظمٌ لهـا من داخلها، ولهذا كان هذا العقل أشبه ما يكون بـ"نار إلهيـة لطيفـة" والنفس البشرية جزء من هذه النار الإلهية، وهو حياة العالم وقانونه".
و"هيراقليطس" بهذا يجعل اللوغوس القانون العام الذي يُعقلن كل ما هو موجود على الكون، ويستغرب من عدم فهم الناس له، يقول: "...ومع أن هذا اللوغوس حقيقة أزلية، إلا أن الناس يعجزون عن فهمه حتى بعد سماعهم له لأول مرة كما لولم يسمعوه من قبل، وعلينا أن نتتبع ما هو مشترك بين الجميع، ومع أن كلمة لوغوس عامة إلا أن معظم الناس يعيشون وكأن لكل واحد منهم فكره الخاص".
كما يعتقد "هيراقليطس" أن اللوغوس: "هو قانون الفكر ومن ثمة فهو ملكة المعرفة والتفكير وهو الكاشف عن الضرورة في العالم،وهو الرابطة الموحدة لان الضرورة ليست إلا ترابط الأشياء وفق علل وأسباب وهذا هو التفلسف."
بعد هذا حاول "سقراط" (469-399 ق.م) Socrate القول بأن العقل سبيل المعرفة وليس الحس، لأن هذا الأخير يختلف بإختلاف الأفراد، بينما العقل عام عند جميع الناس،أي أن العقل- برأيه- "هو مصدر القوانين العادلة والحقائق ثابتة موجودة في العقل ولانحتاج لأكثر من محاورة إنسان حتى نستخرجها أو نولدها من عقله".
أما "أفلاطـون" (427-343 ق.م) Platon فقد أشار إلى أن "العقل يُزودنا بالحقائق الضرورية والجوهرية عن العالم".
وقد قال "أرسطو طاليس" (384-322 ق.م) Aristote بأن العقل عبارة عن "جوهر قائم بالإنسان يفارق به الحيوان ويستعد به لقبول المعرفة".
ولذلك فالعقل –بنظر "أرسطو"- قادر بهذا على أن "يتعقَل الطبيعة، على الرغم مما يكتنفها من فوضى ويرافق حوادثها من غموض، ذلك لأن العقل بمعنى النظام هو أساسها، ولأن من ينظر إليها بعين العقل لا يرى فيها إلا العقل".
ومجملا فإن العقل عند اليونان "يعمل على إشاعة النظام في الطبيعة، والإنسان في جوهره جزء من هذا النظام الكـلي، بحيث أن ما يصدق على جزء من الكون يصدق على الكـل والعكس صحيح".
بعد ذلك أشارت المدرسة الرواقية(*) الى أن " الحكمة تكمن في العيش وفقا للطبيعة، وفق اللوغوس أو العقل الكلي". والعقل عند الرواقية واحد في جميع العلوم لا يتبدل وإن تعددت مظاهره.
ولعل مفهوم العقل هذا لم يبـق كذلك في مرحلة القرون الوسطى لتمييز فلاسفة هذه الحقبة بين العقل والمعقولات، ولارتباط العقل بالدين وقد يتأكد هذا مع "توماس الاكويني" (1224-1274) Thomas d’Aquin حين رأى أن "العقل قادر على أن يثبت وجود الله وأن يفنّد الاعتراضات على حقائق الدين".
2)- في الفلسفة الحديثة:
في حين كانت العقلانية في الفترة الحديثة على غير ذلك،وهذا ما علله "ديكارت" (1596-1650) Descartes حين قال: بأن "العقل السليم أعدل الأشياء قسمة بين الناس...إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية...ولا يكفي أن يكون للمرء عقل،بل المهم أن يحسن استخدامه". فـ"ديكارت" يعتقد بهذا أنه لا يكفي أن يكون لنا عقل، بقدر ما نحتاج –برأيه- إلى أن نتوصل عن طريقه – أي العقل- إلى اليقين، واقترح لذلك طريقتي "البداهة والإستنباط" وقواعد المنهج الأربع.
وللعقل – برأي "ديكارت "دائما- مبادئ فطرية "لأنه القدرة على الحكم الصحيح، وهو عقل إنسان محدود القوى يطمح دائما إلى الأفضل حتى إذا كان لا يملك الكمال التام الثابت،فإنه يكتفي بحالة متطورة دائما هي تجاوز مستمر للجهل " .
ويعتقد "ديكارت" أن الإستعمال الصحيح للعقل يؤدي إلى حد السعادة المطلوبة في هذه الحياة،وعلينا-بنظرة-ألا نتقبل شيئا ما على أنه حق ما لم نتبين ببداهة العقل أنه كذلك.
في حين رفض "سبينوزا"(1632-1677م) Spinoza ما وصل إليه "ديكارت" وقال: "إن من طبيعة العقل اعتبار الأشياء ضرورية لا جائزة وضرورة الأشياء هذه يدركها العقل بكيفية واقعية وحقيقية،أي كما هي في ذاتها .لكن ضرورة الأشياء هذه هي الضرورة التي هي لطبيعة الله الأزلية ومن طبيعية العقل النظر في الأشياء تحت هذا النوع من الأزل ".
و"سبينوزا" بهذا يعتقد أنه كلما زاد علم العقل زاد فهمه لقوة ونظام الطبيعية، مع ارتباط العقل بالضرورة الأزلية .
ثم قام الفيلسوف الألمـاني "كانـط إيمانويل" (1724-1804م)Kant Emmanuel بالإشارة إلى حقيقة العقل وطبيعته،وحاول الكشف عن حدود العقل في مجال المعرفة وتوضيح استعمالاته المشروعة من غير المشروعة، فرأى أن مصدر التصورات العقلية هو العقل ذاته، لأن التجربة –بنظره- تقدم لنا مادة المعرفة الأولية لكننا نتجاوزها إلى البحث في صورها العقلية القبلية.
ومنه يُسمى "كـانط" العقل بملكة المبادئ، ويجعل له مهمة تحقيق وحدة القواعد التي يمدنا بها الفهم بإدراجها تحت بعض المبادئ العامة لتصبح استدلالية محضة.
ويذهب "كـانط" بهذا الى أن العقل هو من يفرض قوانينه على الأشياء، كما أنه -أي العقل- لا يستطيع أن يمارس نشاطه إلا في إطار الظواهر Phénomènes وهو اليُنبوع الذي تنبُع منه أصول كل معرفة وكل علم وكل حياة،لذا يذهب "كانط" إلى ضرورة النقد Critique، أي إلى تحليل طاقات العقل و إمكانياته بُغية الوصول إلى القواعد العامة التي تضبط كل علم وكل أخلاق، ثم إن التجربة ليست هي التي تحدث بشروطها مباشرة وإنما يرجع للعقل. فيما يعتقد "كـانط" الفضل في تزويد التجربة بجميع الضوابط والشروط التي تُمكن هذه التجربة من الحدوث.
واستنادا إلى هذا يعتبر "كـانط" العقل بمثابة نسق من المبادئ ثابت، بحيث لا يمكن للمعرفة أن تكون إلا طبقا لمقتضياته القبليـة. هذا وإذا كان فلاسفة اليونان*-كالذين سبق ذكرهم- يجعلون الطبيعة أولا ثم يليها العقل، اختلف "كـانط" عن هؤلاء فقال: "إن مهمة العقل إنما تنحصر في إلزام الطبيعة بالإجابة على أسئلته بدلا من الاقتصار على ترك الـزمام للطبيعة لكي تقدوه هي وتوجهه إلى حيث شاءت".
أما مضمون العقل عند "كـانط" فهو نفسه البداهات الديكارتية مع تسميتها بالطبائع و أساس اليقين هو خارج الإحساس ومنه فالعقل هو شيء اكتمل تكوينه.
ثم ذهب "هيـجل "من ناحية أخرى إلى أن العقل: "هو الذي يحكم العالم،وهو مبدؤه المحايث وهو طبيعته الداخلية"
كما انه-أي العقل-: "هو وحدة أسمى بين الوعي والوعي بالذات أي بين معرفة موضوع ما ومعرفة الذات، إنه اليقين بـأن تحديداته ليست أقل انتسابا للموضوع، وهكذا فإن معرفة العقل ليست مجرد يقين ذاتي بل هي أيضا حقيقة".
وهنا يعتقد هيجل أن كل ما هو واقعي عقلي وكل ما هو عقلي واقعي، فكل شيء يفسر وفقا للعقل و كل ما يقبل التبرير العقلي فهو موجود بالضرورة.
وعليه فاللعقل صلة وثيقة بالتاريخ يقول: " العقل جوهر الكون ومُحرك التاريخ، وهو يُسيطر على العالم كما أنه جوهر مثلما هو قوة لا متناهية".
وبالتالي حاول "هيجل" "أن يجعل من العقل قوة منبثة في التاريخ وخلاقة لعوالم جديدة،...ومنه فان تاريخ العالم ماهو إلا عملية تعتمد على العقل"
1) موقف هنري برجسون (1859-1941) Bergson Henri :
يذهب "برجسون" في محاولة منه لتعريف العقل على القول بأنه: "ليس سوى تلك القوة الطبيعية التي استعان بها الإنسان في صناعة آلات غير عضوية استخدمها في السيطرة على المادة والتحكم في الطبيعة" .
والعقل فيما رأى "برجسون"- هو في الحقيقة مـيزة الإنسان دون غيره من الكائنات الأخرى، وهو وسيلته لإدراك الماهيات الخاصة بالأشياء، ومن خلاله (العقل) نستطيع تحليل كل نظام إلى قوانينه وإعادة تركيبه من جديد، ولكنه مع ذلك غير قادر على فهم الديمومة الحقة، وهي الحياة.
ويضيف "برجسون" تعريفا آخر للعقل من أنه :"طريقة للمعرفة أساسها التدرج المقالي، وهو يقتطع الواقع إلى أجزاء، تُدخل عليها ألفاظا عامة مجردة يجمعها العقل بإرشاد التجربة".
ويعود "برجسون" مرة أخرى، لتفسير ما قاله أولا عن مفهوم العقل باعتباره مجرد وسيلة، "تكفل للإنسان صناعة الأشياء التي يحتاج إليها لتأمين بقائه في الحياة، وذلك لأنه موجهٌ إلى الفعل ومعالجة المادة. وتبعا لذلك فإنه غير قادر على فهم الحياة، وقُـصارى ما يستطيعه هو أن يقوم بتحليل العمليات الفيزيائيـة والكيميائيـة التي بها تتحقق الحياة، وأن يضع آلات تمكنه من السيطرة عليها".
وبهذا فللعقل البشري –فيما يعتقد "برجسون"- هدف أساسي وهو المعرفة النفعية، فالعقل يميز القلم عن الورق، لكنه يدوّن بالقلم على الورق، فوظيفة العقل هي تشكيل الأدوات واستعمالها.
ومن ثم فان العقل العلمي هو أعلى صور الملكات العملية المتواضعة لأن العلم هو معرفة قوانين الطبيعة-بنظره-.
وللعقل عند "برجسون" مميزات أخرى فهو تحليلي "أي أنه قادر على أن يحلل كل نظام إلى قوانينه ثم يعيد تركيبها من جديد، ويتميز العقل بالوضوح والقدرة على التمييز بين الأشياء".
وبهذا تتم معرفة الواقع عند "برجسون" لا بالتصورات العقلية الجاهزة وإنما بوسيلة أخرى، يقول: "إذا كان ثمة وسيلة تمكننا من إدراك الواقع إدراكا مطلقا دون أي تعبير أو ترجمة أو تمثيل رمزي، فإن الميتافيزيقا هي هذا نفسه فهي العلم الذي يطمح للاستغناء عن الرموز".
وبالتالي هناك ما يتجاوز العقل في التفكير وهو ما يسميه "برجسون" الحدس، ويبرر اختياره هذا انطلاقا من مفهوم الحدس نفسه، فيقول: "الحدس رؤية الروح للروح مباشرة، فهو الوعي المباشر، والعقل عاجز بطبيعته عن فهم الحياة، والحدس هو معرفة للتفكير الصحيح وهو شعور حقيقي وأساسي".
والحدس البرجسوني هو أيضا: "ذلك النوع من المشاركة الوجدانية الذي بواسطته ننفذ إلى باطن الشيء، إنه الغريزة وقد صارت نزيهة، واعية لنفسها، قادرة على التأمل في موضوعها وتوسيعه إلى غير حد".
لذا يعتقد "برجسون" أن العقل هو: "وسيلة أو أداة للعلم، في حين يعد الحدس أداة للفيلسوف، فيدرك العقل المادة، أما الحدس فيضعنا داخل الواقع، ولما كان العقل يتجه دائما نحو الفعل، فإنه لا يعطينا غير معرفة عملية جزئية، أما الوجدان (الحدس) فيعطينا معرفة شاملة". و"برجسون" يحاول هنا القول "بأن الحدس ليس ضد العقل وإنما هو أعلى منه، أي معرفة فائقة للعقل".
ومنه يؤكد "برجسون" أن الحياة هي "تقدم في السن" أي أنها ترتبط بالزمان ارتباطا وثيقا غي علاقة وهذه العلاقة هي الديمومة Durée . والديمومة هي "الشعور الذي يلازم حياة الروح في صفاءها ونقائها، ولهذا يتعذر على الإنسان ترجمتها بصورة عقلانية،إن تفسير الديمومة على أساس الزمان هو تفسير وجداني يتجاوز العقل وبالتالي فالديمومة الخالصة، شعور زماني كيفي يمثل مصدر الأشياء والموضوعات العالمية جميعا."
2) موقف "لــيون برانـشفيك" (1869-1944) Leon Brunschvig:
كان لـ "بـرانشفيك" موقفه من تطور العقلانية المعاصرة فقال إن: "للعقل دورا مهما وأساسيا، والمعرفة العلمية تُجدد العقل بما تفرضه عليه من احتكاك متواصل مع الطبيعة...، فالعقل يُـنمي المعرفة العلمية والمعرفة العلمية بدورها تنمي قدرات العقل على التصور والحكم".
ويرى "برانشفيك" أن العقل يتطور تبعا لهذا على مرحلتين هما: "مرحلة الطفولة وهي عصر الاهتمام بالأشياء الخارجية عن الإنسان وهي عصر العلم بالسمعيات، ومرحلة العمر الناضج وهي عصر الإنسان الذي توصل إلى علم الرياضيات، عصر العلم العقلاني".
وحاول "برانشفيك" بهذا أن يؤسس نظرية في المعرفة العقلية متأثرا بـ "كانط" أو في المعرفة المثالية النقدية. لذا كثيرا ما عُرّف بأنه مثالي وعقلاني علمي كذلك.
ويعارض هذا الفيلسوف من جهة أخرى "الاتجاهات العقلانية التقليدية والاتجاه الأكسيومي في الفيزياء، والنـزعات الوضعية والاتجاهات الروحية الصوفية، وفي مقابل ذلك يحاول بناء نظرية في المعرفة تقوم على الربط بين إبداعات الفكر وعمليات التحقيق التجريبي، وفي إطار مثالية ذات طابـع خاص، تربط بين الوجود بالمعرفـة وتحصر مهمة الفلسفة في معرفة المعرفة أي في نقد المعرفة".
ثم يـُشيد "برانشفيك" بقدرة العلم على إعانة العقل ونصرته ويضرب مثالا لذلك كيف قام "آنشتاين ألبرت" (1879-1955) Einstein Albert "بالقضاء نهائيا على مفهوم الأفكار الحدسية، أي رفض وجود صور عقلية ثابتة للزمان والمكان في الذهن، كما يرى "برانشفيك" أنه لا يوجد شيء خارج حرية العقل، أي خارج الوعي الخالص".
أما طبيعة الفكر في نظر "برانشفيك" " فهي عملية تقرير لوجود، روابط بين علاقات، والفكر التمثيلي هو في جوهره "ديناميكية" الحكم سواء أكنا بإزاء حكم يتكون، أم كنا بإزاء حكم يـُفند نفسه".
وبهذا يرفض "برانشفيك" الميتافيزيقا، ويحاول "التأكيد على قيمة العلم في الفلسفة المعاصرة، والعقل لا يصل إلى الحقيقة –في نظره- إلا عن طريق اليقين الرياضي، لأنه وجد في الرياضيات أعلى صورة من صور اليقين العقلي".
ويذهب أحيانا أخرى إلى حد الجزم بعدم وجود أشياء خارج حرية العقل وفي ذلك يقول: "لا يوجد شيء خارج حرية العقل ولا خارج حركته المطلقة الخلاقة، التي تتوسع وتزدهر في كل يوم بأشكال أعلى وأعلى من بعضها البعض، لكي تصل في النهاية إلى الوحدة التامة للوعي".
وفي معنى العقل الذي ينشده "برانشفيك" تعبير مغاير – في نظره- لمثالية "هيجل" لذلك قال: "إن التقدم الذي يتم من الإدراك إلى العلم لا يتم نحو طبيعة الأشياء، بل نحو طبيعة العقل. إن الحقيقة معناها المعقولية والعقل، وهو ينبوع المعقولية والحقيقة ليست أبدا بالنسبة إلى العقل أمرا ثابتا بالنسبة لأمر آخر، وإنما هي حياة، حياة العقل نفسها".
ويؤكد أيضا على العلاقة المتبادلة بين العقل والتجربة فهما –بنظره- متضامنان ويكمل كل منهما الآخر. والعقل أيضا يـُنمي الحقيقة وهو متطور وليس نهائي، "ولا يسير-أي العقل- من الممكن إلى الواقع، بل يذهب وفقا لنظرية الحكم من الواقع إلى الممكن، وكل حقيقة واقعية يضعها الحكم هي بالضرورة نسبية إلى هذا الحكم".
1)-وجهة نظر إميل مايرسون (1859-1933) Emile Meyerson :
اهتمت فلسفات العلم باختلاف أنواعها بمعطيات العقلانية المعاصرة وها هو "إميل مايرسون" يحاول من خلال ما سنرى أن يبين لنا واقع العقلانية التي قدمها في برنامجه الخاص بفلسفة العلم
إنّ أول ما حاول أن يذهب إليه "مايرسون" هو إنشاء ما سمّاه بـ"فلسفة للعقل" "أي فلسفة تهتم بالبحث في الآليات العقلية اللاشعورية التي توجه الفكر الإنساني، كأداة في محاولاته المتواصلة لمعرفة الواقع أي محاولة فهم ما يحيط بالفكر".
واعتمادا على هذا ذهب "مايرسون" إلى أن العقل لا يمكنه أن يدرك من هذا الواقع "إلا ما يمكن رده إلى الهوية، ولكن العالم هو العالم بما فيه من تنوع واختلاف...ولهذا فإن العقل سيظل حسب "مايرسون" أسيرا لهذه المشكلة الواقعة بين الاختلاف والهوية" ، وكأن الإنسان –حسب "مايرسون"- لا يستطيع أن يقف على الهوية وحدها أو على الاختلاف وحده، كي لا يفتح المجال للوقوع في العدم أو للبحث عن اللامعقول.
وبالتالي يعتقد "مايرسون" أن هناك "هوية ماهوية بين العمليات العقلية التي يقوم عليها تفكير "الحس المشترك"، وبين تلك التي تصدر عنها المعرفة العلمية، أي أن هناك تواصلا واستمرارية بين مختلف أنواع المعارف من حيث استنادها في الجوهر إلى نفس الآليات الفكرية والنفسية، وعليه فــــ "مايرسون" يبحث بهذا عن الآليات الخفية التي تنهض عليها معرفة الحسّ المشترك".
لذا ذهب إلى أن مجموع الاستدلالات التي يقدمها العلماء لتكوين المعرفة العلمية هي بنظره -رغم جاهزيتها- إلا أنها ملائمة لإنشاء تصورات نظرية عامة عن خصائص المعرفة العلمية وقيم الفكر العلمي، إذ نجده يقول: "إن البحث العلمي لا يهمنا بالنتائج التي يتوصل إليها، ولكن يهمنا بطرق الاستدلال التي ُاعتمدت فيه للوصول إليها. فالعلم بالنسبة لنا ليس سوى مجموع عمليات للعقل وهي عمليات يسهل إدراكها هنا أكثر من أي مجال آخر".
وأساسا على هذا يعتقد "مايرسون" أن : "العقل الإنساني يظل هو ذاته عبر كل مراحل تاريخ الفكر، فالفكر العلمي استمرار للفكر العامي، والفكر العلمي المعاصر استمرار للفكر العلمي السابق له".
وهنا يظهر أن فلسفة "مايرسون" العلمية تُحدد تعلق العالم بالواقع، أي جعل العالم في الوقت نفسه واقعيا مطلقا، ومنطقيا دقيقا.
وعليه فإن أساس نظرية المعرفة المايرسونية قد يبدو واضحا حين يعلن عن ذلك التطابق أو التشابه أو حتى المقاربة بين الفكر الواعي الذي يفصح عن نفسه في البحث العلمي، والفكر اللاشعوري الذي هو فكر الحس المشترك ، وبما أن "مايرسون" يرغب كما سلف الذكر في إنشاء نظرية في المعرفة تطرح تماثل العمليات العقلية التي يصدر عنها الفكر في كل مجالات نشاطه، فهو يذهب: "إلى أنه إذا كان محتوى المعرفة الإنسانية يقدم نتائج متعددة ومختلفة حسب الميادين التي يقوم فيها الحس المشترك والعلم والفلسفة فإن هذا لا يعني بأنه ليس بالإمكان تقرير الوحدة المتناسقة لآليات العقل في كل هذه القطاعات، ولعل هوية العقل هذه تفصح عن نفسها بصورة أوضح وأعمق وتعي ذاتها بشكل أدق في المعرفة العلمية بالخصوص".
وبالتالي فإن "مايرسون" إنما يتصور "العقل في مطلق الماهية التي تُشكله لا على أنه كائن حقيقي وحسب، بل كشخص يعاني من طموح كبير، لكنه يتألم باستمرار من خيبة عدم تحقيقه فهو (العقل) يفعل كل ذلك لأنه يكتسب الإقتناع بأنه عندما يتغير فإن بوسعه أن يُخضع إليه جانبا من الواقع كان يفلت من قبضته، لذلك فإن العقل ينقاد إلى هذه الصورة".
2) وجهة نظر كارل بوبر (1902-1994) Karl Popper:
حاول "كارل بوبر" منذ بداية فلسفته، أن ينتقد الفلسفة والمنهج التقليدي وذلك في كل من "العلم والمعرفة" واستنادا إلى هذا اعتقد أن العلم ليس عبارة عن نسق من القضايا اليقينية أو الموضوعة، وذلك على اعتبار أن علمنا ليس معرفة حقـة، و لا يمكننا أن ندعي أبدا- برأيه- الوصول إلى الحقيقة ولا حتى إلى بدائلها مثل الاحتمال.
واستنادا إلى هذا حاول "بـوبر" أن يتخذ من النقد وسيلة لبناء منهجه العلمي، هذا المنهج الذي سماه بـ: "العقلانية النقدية". وهذا لأن منهج النقد العقلي –برأيه- "هو النظام الدينامي الذي تعمل من خلاله غائية نمو المعرفة في اتجاه زيادة الصدق".
ومنه يكون العقلاني في مفهوم "بوبر" ناقدا بالدرجة الأولى، كما أن العقلانية –عنده- لا تعترف بأي يقين قبلي باعتباره سندا للحقيقة كما لا تسمح بأن يكون في العلوم حقائق ثابتة.
وبالتالي فالعقل الإنساني عبارة: "عن عضو يـُنتج موضوعات العالم الثالث (عالم المعرفة الموضوعية) الإنساني في أوسع معانيه ويتفاعل معها".
كما يذهب "بوبر" إلى أن العقلانية النقدية تنطلق من تحطيم "وثن اليقين" الذي تتأسس عليه الأنساق والنظريات الدوغماتية الرافضة للنقد وخطورتها تكمن في زعمها امتلاك الدقـة التي تخولها مشروعية الاستحواذ على الأخبار والتفسير والتنبؤ، يقول "بوبر": إن المثل الأعلى العلمي لمعرفة يقينية مبرهنة قد تبين أنه وثن".
ومنه تذهب العقلانية النقدية البوبرية إلى أن شروط المعرفة الموضوعية تتطلب جعل كل فرض علمي ضرورة، لأن اليقين مطلب لا يمكن تحقيقه موضوعيا.
بعدها عارض "بـوبر" كلا من العقلانية والتجريبية لابتعادهما –بنظره- عن توفير الوسائل المساعدة على تطور المعرفة ونموها وذلك حين تركز العقلانية على جعل العقل فقط أساسا للمعرفة والتجريبية على التجربة وحدها، لينتهي الصراع بينهما- العقلانية والتجريبية- إلى نقاش لا ينتهي حول المعرفتين القبلية والبعدية، يقول "بوبر": "إن الاختلافات بين التجريبية الكلاسيكية والعقلانية هي أقل من تشابهاتها، وإن كلتيهما مخطئتين، رغم أنني أنا شخصيا تجريبي وعقلاني، إلى حد ما، لكنني أعتقد أن الملاحظة القوية والعقل لكل واحد منهما دور هام يلعبه، وسأحاول أن أبين أنه لا الملاحظة ولا العقل يمكن وصفهما كمصدر للمعرفة".
ويحاول " بوبـر" بهذا الكلام أن يـَخرج من دائرة البحث عن مصدر المعرفة بالتساؤل عما إذا كان بالعقل أو التجربة؟ لأن هذا البحث- برأيه- لا فائدة منه، ليحول "بـوبر" البحث إلى "تصور جدلي جديد يبحث في العلاقة بين العلم والكون، وبما يفيدنا الكون عن العلم وما يمكن للعلم أن يعلمنا عن الكون، فالعلم جزء من الكون لذا يعتقد "بوبر" أنه في هذا العالم النامي المتحرك والمتغير لا يمكن أن نقف على أسس ثابتة (عقل
أو تجربة مثلا) فنحن بالأحرى نبني فرضياتنا على أساس هش متحرك، فالعالم لا حتمي قادر على التطور ويتميز ببروز مستويات من الواقع أكثر تعقيدا من الواقع المادي، قادرة على التأثير فيه، أي يتعلق الأمر هنا بتفتح للعالم".
لينتهي "بوبر" إلى الاعتقاد "بفاعلية العقل وقُدرته على الكشف لأن المعرفة العلمية –عنده- خلقٌ حر، لذا لا وجود لمنابع أو مصادر مؤكدة للمعرفة".
ويبقى النقد فيما يعبر "بـوبر" الطريقة التي "تضمنُ التغيير في محتوى المعرفة وفق خطة العلم وازدياد لاحتمالية الصدق، وحين يتغيب النقد العقلي تتدمر خطة العلم تمام، ولأن غياب النقد العقلي في هذه الحالة يعني أن النظريات يمكن أن يُوضح كذبها فقط".
***********************
محمد وبنعبد العالي، عبد السلام، العقل والعقلانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، (المغرب)، ط2(2007)،
أميرة،حلمي مطر، الفلسفة اليونانية (تاريخها ومشكلاتها)، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة (مصر)، د(ط) 1998
هيراقليطس، جدل الحب والحرب،تر:مجاهد عبد المنعم مجاهد،دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 29839
نقاط : 115307
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
- الفصل الثاني
طبيعة الموقف البشلاريقي من التحولات العلمية
امتلك إذا التناول الفلسفي للعقل خصوصية واضحة عند جميع الفلاسفة، باختلاف وُجهات نظرهم، وأصبح للعقلانية مكانة واضحة في البحث لدى هؤلاء بالرغم من أنها كانت سببا في تباين مواقفهم واختلافها، وقد يعود هذا الاختلاف بالدرجة الأولى إلى طبيعة الفلسفة ذاتها.
وسنقف الآن على رأي آخر، وهو موقف "غاستون باشلار" حيث حاول هذا الأخير أن يُعلن عن ما تُثيره العقلانية داخل اهتماماته الابستيمولوجية، وهذا ما يجعلنا نتساءل:
• هل اكتفى "باشلار" بماهية العقلانية كما كانت لدى هؤلاء الفلاسفة اللذين سبق التعرض إليهم (كـ "هيراقليطس"،"ديكارت"،"هيجل"...) أم أننا سنقف مع هذا الفيلسوف على رؤية جديد لهذه العقلانية؟.
1) واقع الأزمة المعاصرة:
مع نهاية القرن التاسع عشر (19) وبداية القرن العشرين (20) الميلاديين، ونتيجة للحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945) اللتين مستا أوروبا بالدرجة الأولى،دخلت الفلسفة الغربية في أزمة وهي أزمة العقل، وتَغيُر مفاهيمه، وظهرت أزمة العقل هذه كأحد مظاهر أزمة العلوم الإنسانية أو كأحد أسبابها وبالتالي يُعتقد أن أزمة العقل إنما تمت بطريقة ارتدادية، حينما تراءى الحاضر في الماضي وعندما كشفت الحقيقة عن ما ورائها التاريخي بحركة عكسية للطريقة التي تكونت بها.
وكان لهذه الأزمة تجليات على واقع الفلسفة خاصة، فتعددت المدارس والمذاهب التي حاولت البدء بهذا التغيير في حقيقة العقل، وقد نستطيع الإشارة هنا إلى ظهور مدرسة فرانكفورت* هذه المدرسة التي اتخذت من النقد قاعدة أساسية لها، واعتبرت أن العقل هو الحجة النقدية التي تؤسس تصورهم، فهو – أي العقل- الموضوع الأساسي للفلسفة، ولأن الفلسفة تحاول أن تفسر العالم في شُموليته لذلك فهي تحاول أن تستعين بالمبادئ التي يتعين معرفتها أو اكتشافها في العقل نفسه.
استنادا إلى هذا الكلام ورغم هذه التجليات التي أفرزتها أزمات الفلسفة المعاصرة أكد من ناحية أخرى "غاستون باشلار" بضرورة التوقف مع أزمة واحدة- هي المهمة بنظره- التي توسطت كلا من "الفلسفة والعلم" وهي نتيجة"الصراع الذي بدأت تتشكل معالمه في حقل المعرفة المعاصرة من جهة، وفي ذلك التفاوت والتسارع المُسجل في حركية النمو والتطور لدى كل منهما (الفلسفة والعلم)، فأصبحت أزمة التفاوت والواقع بين التطور الملاحظ في مجال العلم والجمود الذي يميز الإنتاج الفلسفي بما في ذلك فلسفات العلم نفسها".
ويعتقد "باشلار" أن سبب هذا التفاوت قد يعود بشكل كبير إلى أن الفلسفة أصبحت "تنظر إلى العلم المعاصر انطلاقا من مقولات جاهزة منغلقة على ذاتها، مما جعلها تمارس فعلها بعيدا عن أصلها الفكري ولأن كل فلسفة محدودة الأفق بعلم عصرها، وبمجرد تقدم العلم تصبح تلك الفلسفة عاجزة عن استيعاب العلم الجديد".
ومن آثار هذه الأزمة – فيما يُعلن- "باشلار" إتباع الفلاسفة لمفاهيم العقل الأولى، أي النظر إلى العقل كمحتوى وهذا بالرجوع إلى قوانين العقل عند "أرسطو" والأفكار الفطرية عند "ديكارت" وإلى صورتا الزمان والمكان والمقولات عند "كانط".
وبالتالي يشير "باشلار" إلى أن الفلسفة بهذا بقيت متمسكة بطرُقها التقليدية في التفكير، وذلك باستعمالها لنفس الكلمات ونفس المفاهيم الشيء الذي نتج عنه بالضرورة انفصام كامل بين خطابيها المجرد والعلمي الجديد.
فجعلت الأزمة - التي مست العقل- فلسفة العلوم كما يؤكد "باشلار" محصورة أغلب الأحيان في نطاق طرفي المعرفة والعلم، أي في نطاق دراسة الفلاسفة للأصول البالغة العمومية، وفي نطاق دراسة العلماء للنتائج البالغة الخصوصية، والفلسفة تستنفذ ذاتها في مواجهة العقبتين الابستيمولجيتين اللتين تحدان كل فكر "العام والمباشر"، وهي تُقوّم القبلي تارة والبعدي تارة أخرى....".
ونظرا لانهيار المبادئ التي جرى اعتبارها مبادئ العقل الأساسية حاول "باشلار" أن يدعو للبحث عن فلسفة ملزمة بأن تسيير في اتجاه معاكس ومغاير لاتجاهات الفلسفات الكلاسيكية ونظريات المعرفة التقليدية، وأن تنشأ على هامشها أو أنقاضها لا إنطلاقا منها.
2- قصور العقلانية ونسبية مفاهيمها:
بعد أن أشار "باشلار" إلى الأزمة التي واجهت العقل في الفترة المعاصرة وتوسطت كلا من الفلسفة والعلم، حاول أن يُفند ما تعرض له بعض الفلاسفة السابقين عليه في تعرضهم لمفاهيم العقلانية وسماتها فانتهى إلى رفض حلول هؤلاء، والبحث عن البديل فقال: "يجب البحث أولا عن فلسفة متعددة الجوانب، في مقابل الفلسفات التقليدية التي كانت وحيدة الجانب، فلسفة لابد أن تطابق علم عصرها،فالفيلسوف متأخر دائما عن مدرسة الفكر العلمي المعاصر، ويظل متمسكا بحلول فلسفية قديمة، وبأفكار مذاهب ثابتة غير متغيرة، لذا لابد من مواجهة هذه الفلسفات بالرفض" .
ولكي يتحقق البحث عن الفلسفة المطلوبة يذهب "باشلار" إلى أنه لا يعني أن يبدأ الفيلسوف بالتخلي عن أفكاره بصفة مباشرة، وإنما يدعوه إلى التدرج في ذلك يقول:" إن الفلسفة بمحاولتها تأويل العالم عن طريق الفكر تنطلق من أفكار مسبقة عن العالم، لذا لا يمكن الحديث عن بداية مطلقة والانطلاق من الصفر والتخلي عن كل الأفكار الجاهزة".
كما على الفيلسوف أن لا يبقى – بنظر "باشلار"- " مكتفيا بأطروحات مقررة أو بتكرار إشكالات سابقة، تجاوزتها الثورات العلمية المعاصرة إلى غير رجعة" .
واستنادا إلى هذا رفض "باشلار" موقف بعض الفلاسفة عن العقلانية، من "أرسطو" إلى "هيجل"، ومن "برانشفيك" إلى "بوبر"، فقد كان منطق "أرسطو" – فيما أعلن "باشلار"- موضوع فيزياء ما، أي أن منطق "أرسطو" يقوم على تجريد خصوصية الموضوعات... حيث أنه وبتحول مفاهيم العلم الكلاسيكية أصبح المنطق الأرسطي بحاجة إلى تغيير شامل وعميق... وإنه لمن الضروري أن نحدد إشكالا من المنطق تبعا لأصناف موضوعات ما....
ومنه فالعقل حائز بصفة قبلية على المقولات الخاصة بمعرفتنا للعالم الخارجي أي أن العقل يحتوي بصورة سابقة للتجربة على استعدادات ذهنية لا أثر للتجربة أو حتى لتطور المعارف عليها، وهذا ما رفضه "باشلار" ، وذلك نظرا لما ذهبت إليه نزعتا "ديكارت" و"كانط" العقلانيتين حين اعتقدتا بوجود مضمون واحد للعقل هو البداهات أو الطبائع، لكن العقل العلمي يرفض أن يكون للعقل مضمون واحد هو هو.
فـ"ديكارت" قد جعل الرياضيات مثال الدقة واليقين وجعل من مبادئها أفكارا فطرية للعقل الإنساني، كما تصور "كانط" العقل كمحتوى يضم صور الحدس ومقولات الفهم، وهذا ما لم يقبله "باشلار" من عقلانية هؤلاء. ووصفها بأنها: "فلسفة اليوم الواحد لأنها تعمل على تأكيد ذاتها من يوم لآخر، فلسفة تستحوذ عليها مبادئ العقل الثابتة، كما يُحركها الترديد الميكانيكي لصور فارغة ليس لها أي معنى".
ودليل "باشلار" في هذا هو ما حدث للعقلانية الكانطية، هذه الأخيرة التي حاولت أن تُدعّم الموقف المثالي والكلاسيكي من العقل والمقولات بلجوئها إلى "العلم النيوتوني والهندسة الإقليدية"* وحين انهار هذين العلمين، انهار تصور "كانط" الكلاسيكي للعقل.
أما حين تحدث "هيجل" عن العقل المُعاين، ذهب "باشلار" إلى أن: "العقل المعاين كما حدده "هيجل" غير ملائم البتة لطرح مشكلة العقلانية المرتبطة بالبحث العلمي فالعقلانية المعاصرة بالنظر إلى تطبيقاتها التقنية، قد تخطت مرحلة المعاينة".
كما التفت باشلار إلى روحانية "برغسون" و عدها هي الأخرى من فلسفات الأزمة واستنادا على هذا جعل فلسفة "برغسون" "خارج العلم والفلسفة، نظرا لاستنادها على المعرفة الحدسية، وهي المعرفة التي تتناقض مع المعرفة الوضعية أو العلمية، ولأن الفلسفة الحقّة - برأي "باشلار"- هي تلك التي تجعل من التأمل في نتائج العلم موضوعها الأساس".
وحين كان يُميز "برانشفيك" معيار العقل من جوهر العادات الذهنية،يذهب "باشلار" إلى أن العلم وحده المعياري في استخدام المقولات.
أما بالنسبة لـ"مايرسون" فـ"باشلار" يذهب إلى القول عنه مباشرة "بأن فلسفة ذات قطبين متباعدين كفلسفة "إميل مايرسون" التي يتحدد فيها تعلق العالم بـ"الواقع" وبـ"المماثل" معا وفي نفس الوقت لا يبدو لنا أنها تفصح عن حقل ابستيمولوجي قوي وموحد بما يكفي".
بمعنى أن الخطأ الذي وقع فيه "مايرسون" كما ذهب "باشلار" هو أنه استقر في مادية جامدة خالية من أي جدلية، لكن العلم – بنظر "باشلار"- ينبغي أن يكون جدلياً، وهذا من شأنه أن يكفل لنا أفضل الميزات العقلية للمادية التقنية، والعكس أيضا يكفل لنا أفضل الميزات الواقعية للعقلانية التطبيقية.
أما بالنسبة لـ "كارل بوبر" فقد نقف عند ذلك التعليق الذي أصدره "باشلار" حين قام بقراءة مؤلفه "منطق الكشف العلمي" حيث نجده يقول: "ظهر كتاب السيد "كارل بوبر" وفيه نتعرف على مواضيع عديدة من فلسفة فيينا، ولكن حُجج الكاتب الشخصية هي عديدة وتُعطي للكتاب توجها يُعد لفلسفة أصيلة".
واستنادا لهذا شعر "باشلار" بأنه مُلزم بتجاوز فلسفات الأزمة هذه، وأن يعوضها بفلسفة بديلة، فلسفة يعتقد بأنها "يجب أن تمتلك حرية المبادرة والفعل معا، ولها هدف واضح باستنادها إلى رؤى فلسفية متينة، وواقعي بلجوئها إلى دراسة واقعنا المعاصر وهو العلم وتطوراته".
1- المعنى المتجاوز للعقلانية:
اعتمادا إذن على الرفض الذي قدّمه "باشلار" ، أشار إلى أنه يسعى لتقديم البديل عن نفيه السابق-لما جاءت به عقلانية هؤلاء- ، ولعل أول ما يثبت محاولته هذه قوله: "منذ بداية تأملاتنا في دور فلسفة العلوم ونحن نصطدم على هذا النحو، بمسألة تبدو لنا قد أساس طرحها العلماء والفلاسفة على حد سواء إنها مسألة بنية وتطور العقل".
ومنه فمفهوم العقل الصحيح عند "باشلار" فيما يذكر في مؤلفه "فلسفة الرفض" هو: "فاعلية مستقلة تنزع إلى كمال ذاتها، وهو ليس ملكة تبسيط، إنه ملكة تستنير وتغتني، وهو يتطور في اتجاه تركيب متعاظم..."
ويضيف "باشلار" أنه إذا كان ينبغي أن يعط للعقلانية مفهوما محددا فإنه سَيصفها بأنها la philosophie du Re أي فلسفة البدء، أو تفكير معاد البدء بوضوح، يعيد بناء نفسه كل يوم، فلا يمكن – برأيه- أن نؤسس اليوم على الأمس إذا كنا فعلا عقلانيين...
وبالتالي فالعقل حسب "باشلار" هو: "قدرة على البناء، أي على إضفاء الصفة التركيبية والبنائية على الظواهر، وأثناء عملية التركيب والبناء يخلق العقل لذاته وسائل عمله ويطورها ويجددها".
ومنه فالعقل في مفهومه الباشلاري " ليس حاسة مستقبلة سلبية إزاء ما يصلها من العالم الخارجي، إنما هو استعداد مفهومي يؤطر المعطيات وينظمها ويؤؤلها..."
2- العقلانية والعلم:
ربط "باشلار" مفهوم العقل بالعلم، ورأى بأنه لا مسافة فاصلة بينهما، ولأن العقلانية تتحد أساسياتها –فيما رأى- من داخل العلم نفسه، لذلك نجده يقول: "ليكون الإنسان عقلانيا ينبغي عليه، فيما أعتقد، أن يذهب للبحث عن العقلانية في مكانها في الفكر العلمي..."
و"باشلار" بربطه العقل بمعطيات العلم المعاصر يستشهد في مثال له أن الهندسة والفيزياء والحساب كلها علوم، لكن المذهب التقليدي لعقل مطلق وثابت، هو – بنظره- ليس سوى فلسفة منتهية...فالعلم يعقد العقل كما يقول.
ويقصد "باشلار" بعبارة أن العلم يعقد العقل،أي أنه يقوم بمراجعته ثم إن العقل بهذا " لا ينتج العلم فحسب، ولكنه يتعلم من العلم أيضا".
ونجد موقف "باشلار" هذا في مؤلفه "فلسفة الرفض" حيث يضيف قائلا: "ينبغي الاستنتاج بأن المعرفة العلمية تُنظم الفكر، وأن العلم ينظم الفلسفة ذاتها إذ يُقدم الفكر العلمي أساسا لتصنيف الفلسفات ولدراسة تقدم العقل".
لتصبح العقلانية بمنظورها الباشلاري دائما، "تبدو في الوقت ذاته حين ننفذ إلى تفاصيل العمل العلمي كقدرة على تمثل المعارف الجديدة، وكعامل أكثر فعالية في التحولات السريعة في التجربة"
وينتهي "باشلار" في ربطه بين العقل والعلم إلى القول بأن "العلم بصفة عامة يُعلم العقل وعلى العقل أن يَخضع للعلم الأكثر تطورا للعلم الذي يتطور"
كما أن مسار العقل التقليدي أو اتجاهه كان ينطلق حسب اعتقاد "باشلار"- من العقل إلى العلم، لكن مساره الحالي أو المعاصر ليس كذلك، وإنما وجهته هي من نتائج العلم إلى العقل أو إلى الموقف الفلسفي.
ومنه يُضيف باشلار قائلا:"العقل فاعلية نفسانية متعددة الأمور، إنه يريد إعادة النظر في المسائل تنويعها وتلقيحها من بعضها البعض، وجعلها تتكاثر".
وبهذا يعتقد "باشلار" بالإجمال أن "العلم يذهب العقل ويعلمه ومن الواجب القول أن يطيع العلم، العلم الأكثر تطورا، العلم التطوري، وليس للعقل الحق في تعظيم تجربة مباشرة وتكبيرها، بل على العكس، من واجبه أن يتوازن مع التجربة المبنية بغنى شديد، وفي كل الظروف لابد للفوري (المباشر) من إخلاء المكان أمام المبني، وبوجه عام، يتوجب على العقل أن يخضع لشروط العلم، يجب أن يتحرك حول توليفات تتوافق مع جدليات العلم، ومرة أخرى يتوجب على العقل أن يخضع للعلم".
ولعل هذا هو ما أكده "باشلار" في كتابه "الفكر العلمي الجديد" حين قال:" والحق أن العلم يبدع فلسفة وعلى الفيلسوف إذن أن يُحوّر لغته لكي يُترجم مرونة الفكر المعاصر وحركته، والنشاط الروحي للعلم الحديث ينصرف اليوم إلى بناء عالم على صورة العقل، بعد أن انصرف من قبل في أيامه الأولى إلى تشكيل العقل على صورة العالم، والنشاط العلمي يحقق زُمرا عقلية بكل ما في هذا التعبير من معنى".
هذا ويذكر "باشلار" أنه إذا كان عليه أن يُعرف المذهب العقلاني فسيُعرفه بأنه: "الفكر الذي يعاد فيه الانطلاق، والذي له في كل يوم منطق جديد، فلا يمكننا أن نؤسس اليوم على الأمس، إذا ما كنا عقلانيين حقا".
1) إبراز القيم الاستيمولوجية للعلم:
يذهب "باشلار" هنا إلى أن الابستيمولوجيا التي هي الطريق الرئيسي الذي به تحدث التغيرات في العلم والتي تدرس إمكانية المعرفة وحدودها وطبيعتها، هي أيضا طريق إلى العقل وإلى فهم هذا العقل وهنا تظهر مهمة الفلسفة التي يجب أن تبحث عن إبراز القيم الإبستيمولوجية للعلم.
وفي هذا الصدد يقول "باشلار": "إن من واجب فلسفة العلوم هو أن تبرز قيم العلم وأن تعيد في كل مرحلة من مراحل تطور العلم دراسة الموضوع التقليدي المتمحور حول قيم العلم".
وبهذا سعت عقلانيتة المعاصرة إلى "إبراز القيم الابستيمولوجية إبرازاً يقوم على إدراك مظاهر التجديد التي تميز كل مرحلة علمية،وكل نظرية علمية،أي أنها حاولت أن تكون فلسفة العلم المعاصرة تُبرز قيمه المعرفية وتستجيب له استجابة صحيحة".
ومنه ذهب "باشلار" إلى ضرورة أن تكون هذه القيمة متجددة مع تطور الفكر العلمي، لأن الكتابة حول قيمة العلم- برأيه- لن تتحلى بالموضوعية إذا لم تكن متجددة تجدد تلك القيم التي تصدر عن العلم .
لذا يستشهد "باشلار" في ذلك بالتغيرات التي طرأت على الفيزياء وعلى نظرية النسبية...وغيرها من النظريات التي تطورت بإبراز قيمها الإبستيمولوجية، بينما كانت عليه وما صارت عليه من تحولات وتبدلات...بمعنى أن القيمة الابستيمولوجية تفرض ذاتها بفضل تطور المعرفة العلمية ومنه تظهر قيمة العقل من حيث هي قيمة ثقافية ابستيمولوجية لتفرض القيم العقلانية ذاتها في مسيرة العلم، وهنا يطالب "باشلار" الخطاب الفلسفي بأن يُحاول استيعاب النتائج العلمية الجديدة بإدراكها من حيث هي قيم للعقل وللثقافة الإنسانية.
ومنه واعتمادا على هذا يُلح "باشلار" هنا على ضرورة أن تكون القيمة الابستيمولوجية قيمة للعلم، أي أن على الفيلسوف عدم إضافة القيم الخارجية، وإنما عليه إبراز القيم التي تفرض ذاتها بفضل تطور المعرفة العلمية، إذ يستند "باشلار" في هذا إلى انه لم يكن بمقدورنا معرفة القيمة الابستيمولوجية للهندسات اللاإقليدية، لولا التصور الجديد الذي تقدمه لنا هذه الهندسات لمفهوم الخط أو لتصور المكان، ليصبح مفهوم القيمة هنا هو مظهر الجدّة المعرفي الذي تتميز به نظرية علمية جديدة.
ووقوفا عند هذا تبرز سمات العلم المعاصر – حسب "باشلار"-حيث يظهر أن: "الواقع في العلم المعاصر هو الواقع المبني وليس الواقع المعطى، وهنا يظهر دور الآلة المتزايد التي جعلت من إدراكنا للواقع لا يتم إلا في ظل وجودها، فالعلم المعاصر قد أصبح آليا، حيث يلعب الكتاب فيه (العلم المعاصر) دورا مهما لأن الفكر العلمي في حد ذاته كتاب جسور وحذر بالوقت ذاته، كتاب يراد طبعه طبعة جديدة ومنقحة تعاد كتابتها أو يعاد تنظيمها" .
أما الخاصية الأخيرة للفكر العلمي التي تسعى إلى إبراز قيمته يسميها "باشلار" الخاصية التكاملية أو المجتمعية للعلم المعاصر، أي أن الباحث أو العالم ليس في عهد لإبراز بطولاته الفردية،وليس في زمن يستطيع فيه أن يبين قدراته الفردية وعليه "فالعمل العلمي أصبح عملا جماعيا، والمعرفة المعاصرة برمتها هي من التعقيد والتداخل بما يجعلها تتجاوز الجهود الفردية لأي كان مهما تكن قدراته" .
لذا يرى "باشلار" أن الموضوعية العقيلة والموضوعية التقنية والموضوعية المجتمعية هي الخصائص الثلاث الأساسية في الثقافة العلمية وهي التي ينبغي أن نبرزها كقيم ابستيمولوجية.
2) البحث عن اثر المعارف العلمية في بنية الفكر:
يقول "باشلار" في كتابه "الفكر العلمي الجديد": "إن للفكر بنية متحولة منذ كان للمعرفة تاريخ...والفكر العلمي بالدرجة الأولى، هو تصحيح معرفة، توسيع أطر المعرفة إنه يحكم على ماضيه التاريخي بإدانته، وإن بنيته هي الوعي بـأخطائه التاريخية..."
هذه إذن مهمة أخرى حاولت الابستيمولوجيا الباشلارية من خلالها السعي إلى "هيكلة العقل هيكلة منهجية، وذلك بتغيير مساره التقليدي الذي ينطلق من العقل إلى العلم من نتائج العلم إلى العقل أو الموقف الفلسفي".
وتبعا لهذا فعقل الإنسان حسب "باشلار" عبارة عن بنية* Structure لها تاريخ أي أن السير الثوري للعلم يؤثر على بنية الفكر، لأن الفكر قابل للتغيير والتبدل...،" كما أن العلم يعتقد أنه بإمكانه المُضي بفكر بدون بنية وبدون معرفة أيضا، لكننا نجد الفيلسوف غالبا ما يطرح فكرا مصحوبا بكل المقولات الأساسية لفهم الواقع".
وبما أن الفكر بنية قابلة للتغيير فيما أعلن "باشلار" سابقا نجده يقول: "إذا وضعنا مشكلة الجدّة العلمية على الصعيد النفسي الخالص لن يفوتنا أن نرى بأن هذا السير الثوري للعلم المعاصر لابد وأن يُؤثر على بنية الفكر فالفكر بنية قابلة للتغيير منذ اللحظة التي يكون فيها للمعرفة تاريخ".
ومن ثم حاول "باشلار" أن لا يخضع لموقف الفلسفات المثالية التقليدية هذه الأخيرة التي تؤكد أن الفكر الإنساني بنية ثابتة وأنه يواجه الواقع وهو حائز بصورة فطرية أو قبلية للمقولات التي تؤهله للتفكير في هذا الواقع.
**********************
وقيدي، محمد، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار
- باشلار، غاستون، فلسفة الرفض (مبحث فلسفي في العقل العلمي الجديد)،تر:خليل احمد خليل،دار الحداثة،بيروت(لبنان)،
، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة، منشورات الاختلاف (الجزائر)،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء (المغرب)، الدار العربية للعلوم، بيروت (لبنان)، الطبعة الأولى،
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
- الفصل الثاني
طبيعة الموقف البشلاريقي من التحولات العلمية
امتلك إذا التناول الفلسفي للعقل خصوصية واضحة عند جميع الفلاسفة، باختلاف وُجهات نظرهم، وأصبح للعقلانية مكانة واضحة في البحث لدى هؤلاء بالرغم من أنها كانت سببا في تباين مواقفهم واختلافها، وقد يعود هذا الاختلاف بالدرجة الأولى إلى طبيعة الفلسفة ذاتها.
وسنقف الآن على رأي آخر، وهو موقف "غاستون باشلار" حيث حاول هذا الأخير أن يُعلن عن ما تُثيره العقلانية داخل اهتماماته الابستيمولوجية، وهذا ما يجعلنا نتساءل:
• هل اكتفى "باشلار" بماهية العقلانية كما كانت لدى هؤلاء الفلاسفة اللذين سبق التعرض إليهم (كـ "هيراقليطس"،"ديكارت"،"هيجل"...) أم أننا سنقف مع هذا الفيلسوف على رؤية جديد لهذه العقلانية؟.
1) واقع الأزمة المعاصرة:
مع نهاية القرن التاسع عشر (19) وبداية القرن العشرين (20) الميلاديين، ونتيجة للحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945) اللتين مستا أوروبا بالدرجة الأولى،دخلت الفلسفة الغربية في أزمة وهي أزمة العقل، وتَغيُر مفاهيمه، وظهرت أزمة العقل هذه كأحد مظاهر أزمة العلوم الإنسانية أو كأحد أسبابها وبالتالي يُعتقد أن أزمة العقل إنما تمت بطريقة ارتدادية، حينما تراءى الحاضر في الماضي وعندما كشفت الحقيقة عن ما ورائها التاريخي بحركة عكسية للطريقة التي تكونت بها.
وكان لهذه الأزمة تجليات على واقع الفلسفة خاصة، فتعددت المدارس والمذاهب التي حاولت البدء بهذا التغيير في حقيقة العقل، وقد نستطيع الإشارة هنا إلى ظهور مدرسة فرانكفورت* هذه المدرسة التي اتخذت من النقد قاعدة أساسية لها، واعتبرت أن العقل هو الحجة النقدية التي تؤسس تصورهم، فهو – أي العقل- الموضوع الأساسي للفلسفة، ولأن الفلسفة تحاول أن تفسر العالم في شُموليته لذلك فهي تحاول أن تستعين بالمبادئ التي يتعين معرفتها أو اكتشافها في العقل نفسه.
استنادا إلى هذا الكلام ورغم هذه التجليات التي أفرزتها أزمات الفلسفة المعاصرة أكد من ناحية أخرى "غاستون باشلار" بضرورة التوقف مع أزمة واحدة- هي المهمة بنظره- التي توسطت كلا من "الفلسفة والعلم" وهي نتيجة"الصراع الذي بدأت تتشكل معالمه في حقل المعرفة المعاصرة من جهة، وفي ذلك التفاوت والتسارع المُسجل في حركية النمو والتطور لدى كل منهما (الفلسفة والعلم)، فأصبحت أزمة التفاوت والواقع بين التطور الملاحظ في مجال العلم والجمود الذي يميز الإنتاج الفلسفي بما في ذلك فلسفات العلم نفسها".
ويعتقد "باشلار" أن سبب هذا التفاوت قد يعود بشكل كبير إلى أن الفلسفة أصبحت "تنظر إلى العلم المعاصر انطلاقا من مقولات جاهزة منغلقة على ذاتها، مما جعلها تمارس فعلها بعيدا عن أصلها الفكري ولأن كل فلسفة محدودة الأفق بعلم عصرها، وبمجرد تقدم العلم تصبح تلك الفلسفة عاجزة عن استيعاب العلم الجديد".
ومن آثار هذه الأزمة – فيما يُعلن- "باشلار" إتباع الفلاسفة لمفاهيم العقل الأولى، أي النظر إلى العقل كمحتوى وهذا بالرجوع إلى قوانين العقل عند "أرسطو" والأفكار الفطرية عند "ديكارت" وإلى صورتا الزمان والمكان والمقولات عند "كانط".
وبالتالي يشير "باشلار" إلى أن الفلسفة بهذا بقيت متمسكة بطرُقها التقليدية في التفكير، وذلك باستعمالها لنفس الكلمات ونفس المفاهيم الشيء الذي نتج عنه بالضرورة انفصام كامل بين خطابيها المجرد والعلمي الجديد.
فجعلت الأزمة - التي مست العقل- فلسفة العلوم كما يؤكد "باشلار" محصورة أغلب الأحيان في نطاق طرفي المعرفة والعلم، أي في نطاق دراسة الفلاسفة للأصول البالغة العمومية، وفي نطاق دراسة العلماء للنتائج البالغة الخصوصية، والفلسفة تستنفذ ذاتها في مواجهة العقبتين الابستيمولجيتين اللتين تحدان كل فكر "العام والمباشر"، وهي تُقوّم القبلي تارة والبعدي تارة أخرى....".
ونظرا لانهيار المبادئ التي جرى اعتبارها مبادئ العقل الأساسية حاول "باشلار" أن يدعو للبحث عن فلسفة ملزمة بأن تسيير في اتجاه معاكس ومغاير لاتجاهات الفلسفات الكلاسيكية ونظريات المعرفة التقليدية، وأن تنشأ على هامشها أو أنقاضها لا إنطلاقا منها.
2- قصور العقلانية ونسبية مفاهيمها:
بعد أن أشار "باشلار" إلى الأزمة التي واجهت العقل في الفترة المعاصرة وتوسطت كلا من الفلسفة والعلم، حاول أن يُفند ما تعرض له بعض الفلاسفة السابقين عليه في تعرضهم لمفاهيم العقلانية وسماتها فانتهى إلى رفض حلول هؤلاء، والبحث عن البديل فقال: "يجب البحث أولا عن فلسفة متعددة الجوانب، في مقابل الفلسفات التقليدية التي كانت وحيدة الجانب، فلسفة لابد أن تطابق علم عصرها،فالفيلسوف متأخر دائما عن مدرسة الفكر العلمي المعاصر، ويظل متمسكا بحلول فلسفية قديمة، وبأفكار مذاهب ثابتة غير متغيرة، لذا لابد من مواجهة هذه الفلسفات بالرفض" .
ولكي يتحقق البحث عن الفلسفة المطلوبة يذهب "باشلار" إلى أنه لا يعني أن يبدأ الفيلسوف بالتخلي عن أفكاره بصفة مباشرة، وإنما يدعوه إلى التدرج في ذلك يقول:" إن الفلسفة بمحاولتها تأويل العالم عن طريق الفكر تنطلق من أفكار مسبقة عن العالم، لذا لا يمكن الحديث عن بداية مطلقة والانطلاق من الصفر والتخلي عن كل الأفكار الجاهزة".
كما على الفيلسوف أن لا يبقى – بنظر "باشلار"- " مكتفيا بأطروحات مقررة أو بتكرار إشكالات سابقة، تجاوزتها الثورات العلمية المعاصرة إلى غير رجعة" .
واستنادا إلى هذا رفض "باشلار" موقف بعض الفلاسفة عن العقلانية، من "أرسطو" إلى "هيجل"، ومن "برانشفيك" إلى "بوبر"، فقد كان منطق "أرسطو" – فيما أعلن "باشلار"- موضوع فيزياء ما، أي أن منطق "أرسطو" يقوم على تجريد خصوصية الموضوعات... حيث أنه وبتحول مفاهيم العلم الكلاسيكية أصبح المنطق الأرسطي بحاجة إلى تغيير شامل وعميق... وإنه لمن الضروري أن نحدد إشكالا من المنطق تبعا لأصناف موضوعات ما....
ومنه فالعقل حائز بصفة قبلية على المقولات الخاصة بمعرفتنا للعالم الخارجي أي أن العقل يحتوي بصورة سابقة للتجربة على استعدادات ذهنية لا أثر للتجربة أو حتى لتطور المعارف عليها، وهذا ما رفضه "باشلار" ، وذلك نظرا لما ذهبت إليه نزعتا "ديكارت" و"كانط" العقلانيتين حين اعتقدتا بوجود مضمون واحد للعقل هو البداهات أو الطبائع، لكن العقل العلمي يرفض أن يكون للعقل مضمون واحد هو هو.
فـ"ديكارت" قد جعل الرياضيات مثال الدقة واليقين وجعل من مبادئها أفكارا فطرية للعقل الإنساني، كما تصور "كانط" العقل كمحتوى يضم صور الحدس ومقولات الفهم، وهذا ما لم يقبله "باشلار" من عقلانية هؤلاء. ووصفها بأنها: "فلسفة اليوم الواحد لأنها تعمل على تأكيد ذاتها من يوم لآخر، فلسفة تستحوذ عليها مبادئ العقل الثابتة، كما يُحركها الترديد الميكانيكي لصور فارغة ليس لها أي معنى".
ودليل "باشلار" في هذا هو ما حدث للعقلانية الكانطية، هذه الأخيرة التي حاولت أن تُدعّم الموقف المثالي والكلاسيكي من العقل والمقولات بلجوئها إلى "العلم النيوتوني والهندسة الإقليدية"* وحين انهار هذين العلمين، انهار تصور "كانط" الكلاسيكي للعقل.
أما حين تحدث "هيجل" عن العقل المُعاين، ذهب "باشلار" إلى أن: "العقل المعاين كما حدده "هيجل" غير ملائم البتة لطرح مشكلة العقلانية المرتبطة بالبحث العلمي فالعقلانية المعاصرة بالنظر إلى تطبيقاتها التقنية، قد تخطت مرحلة المعاينة".
كما التفت باشلار إلى روحانية "برغسون" و عدها هي الأخرى من فلسفات الأزمة واستنادا على هذا جعل فلسفة "برغسون" "خارج العلم والفلسفة، نظرا لاستنادها على المعرفة الحدسية، وهي المعرفة التي تتناقض مع المعرفة الوضعية أو العلمية، ولأن الفلسفة الحقّة - برأي "باشلار"- هي تلك التي تجعل من التأمل في نتائج العلم موضوعها الأساس".
وحين كان يُميز "برانشفيك" معيار العقل من جوهر العادات الذهنية،يذهب "باشلار" إلى أن العلم وحده المعياري في استخدام المقولات.
أما بالنسبة لـ"مايرسون" فـ"باشلار" يذهب إلى القول عنه مباشرة "بأن فلسفة ذات قطبين متباعدين كفلسفة "إميل مايرسون" التي يتحدد فيها تعلق العالم بـ"الواقع" وبـ"المماثل" معا وفي نفس الوقت لا يبدو لنا أنها تفصح عن حقل ابستيمولوجي قوي وموحد بما يكفي".
بمعنى أن الخطأ الذي وقع فيه "مايرسون" كما ذهب "باشلار" هو أنه استقر في مادية جامدة خالية من أي جدلية، لكن العلم – بنظر "باشلار"- ينبغي أن يكون جدلياً، وهذا من شأنه أن يكفل لنا أفضل الميزات العقلية للمادية التقنية، والعكس أيضا يكفل لنا أفضل الميزات الواقعية للعقلانية التطبيقية.
أما بالنسبة لـ "كارل بوبر" فقد نقف عند ذلك التعليق الذي أصدره "باشلار" حين قام بقراءة مؤلفه "منطق الكشف العلمي" حيث نجده يقول: "ظهر كتاب السيد "كارل بوبر" وفيه نتعرف على مواضيع عديدة من فلسفة فيينا، ولكن حُجج الكاتب الشخصية هي عديدة وتُعطي للكتاب توجها يُعد لفلسفة أصيلة".
واستنادا لهذا شعر "باشلار" بأنه مُلزم بتجاوز فلسفات الأزمة هذه، وأن يعوضها بفلسفة بديلة، فلسفة يعتقد بأنها "يجب أن تمتلك حرية المبادرة والفعل معا، ولها هدف واضح باستنادها إلى رؤى فلسفية متينة، وواقعي بلجوئها إلى دراسة واقعنا المعاصر وهو العلم وتطوراته".
1- المعنى المتجاوز للعقلانية:
اعتمادا إذن على الرفض الذي قدّمه "باشلار" ، أشار إلى أنه يسعى لتقديم البديل عن نفيه السابق-لما جاءت به عقلانية هؤلاء- ، ولعل أول ما يثبت محاولته هذه قوله: "منذ بداية تأملاتنا في دور فلسفة العلوم ونحن نصطدم على هذا النحو، بمسألة تبدو لنا قد أساس طرحها العلماء والفلاسفة على حد سواء إنها مسألة بنية وتطور العقل".
ومنه فمفهوم العقل الصحيح عند "باشلار" فيما يذكر في مؤلفه "فلسفة الرفض" هو: "فاعلية مستقلة تنزع إلى كمال ذاتها، وهو ليس ملكة تبسيط، إنه ملكة تستنير وتغتني، وهو يتطور في اتجاه تركيب متعاظم..."
ويضيف "باشلار" أنه إذا كان ينبغي أن يعط للعقلانية مفهوما محددا فإنه سَيصفها بأنها la philosophie du Re أي فلسفة البدء، أو تفكير معاد البدء بوضوح، يعيد بناء نفسه كل يوم، فلا يمكن – برأيه- أن نؤسس اليوم على الأمس إذا كنا فعلا عقلانيين...
وبالتالي فالعقل حسب "باشلار" هو: "قدرة على البناء، أي على إضفاء الصفة التركيبية والبنائية على الظواهر، وأثناء عملية التركيب والبناء يخلق العقل لذاته وسائل عمله ويطورها ويجددها".
ومنه فالعقل في مفهومه الباشلاري " ليس حاسة مستقبلة سلبية إزاء ما يصلها من العالم الخارجي، إنما هو استعداد مفهومي يؤطر المعطيات وينظمها ويؤؤلها..."
2- العقلانية والعلم:
ربط "باشلار" مفهوم العقل بالعلم، ورأى بأنه لا مسافة فاصلة بينهما، ولأن العقلانية تتحد أساسياتها –فيما رأى- من داخل العلم نفسه، لذلك نجده يقول: "ليكون الإنسان عقلانيا ينبغي عليه، فيما أعتقد، أن يذهب للبحث عن العقلانية في مكانها في الفكر العلمي..."
و"باشلار" بربطه العقل بمعطيات العلم المعاصر يستشهد في مثال له أن الهندسة والفيزياء والحساب كلها علوم، لكن المذهب التقليدي لعقل مطلق وثابت، هو – بنظره- ليس سوى فلسفة منتهية...فالعلم يعقد العقل كما يقول.
ويقصد "باشلار" بعبارة أن العلم يعقد العقل،أي أنه يقوم بمراجعته ثم إن العقل بهذا " لا ينتج العلم فحسب، ولكنه يتعلم من العلم أيضا".
ونجد موقف "باشلار" هذا في مؤلفه "فلسفة الرفض" حيث يضيف قائلا: "ينبغي الاستنتاج بأن المعرفة العلمية تُنظم الفكر، وأن العلم ينظم الفلسفة ذاتها إذ يُقدم الفكر العلمي أساسا لتصنيف الفلسفات ولدراسة تقدم العقل".
لتصبح العقلانية بمنظورها الباشلاري دائما، "تبدو في الوقت ذاته حين ننفذ إلى تفاصيل العمل العلمي كقدرة على تمثل المعارف الجديدة، وكعامل أكثر فعالية في التحولات السريعة في التجربة"
وينتهي "باشلار" في ربطه بين العقل والعلم إلى القول بأن "العلم بصفة عامة يُعلم العقل وعلى العقل أن يَخضع للعلم الأكثر تطورا للعلم الذي يتطور"
كما أن مسار العقل التقليدي أو اتجاهه كان ينطلق حسب اعتقاد "باشلار"- من العقل إلى العلم، لكن مساره الحالي أو المعاصر ليس كذلك، وإنما وجهته هي من نتائج العلم إلى العقل أو إلى الموقف الفلسفي.
ومنه يُضيف باشلار قائلا:"العقل فاعلية نفسانية متعددة الأمور، إنه يريد إعادة النظر في المسائل تنويعها وتلقيحها من بعضها البعض، وجعلها تتكاثر".
وبهذا يعتقد "باشلار" بالإجمال أن "العلم يذهب العقل ويعلمه ومن الواجب القول أن يطيع العلم، العلم الأكثر تطورا، العلم التطوري، وليس للعقل الحق في تعظيم تجربة مباشرة وتكبيرها، بل على العكس، من واجبه أن يتوازن مع التجربة المبنية بغنى شديد، وفي كل الظروف لابد للفوري (المباشر) من إخلاء المكان أمام المبني، وبوجه عام، يتوجب على العقل أن يخضع لشروط العلم، يجب أن يتحرك حول توليفات تتوافق مع جدليات العلم، ومرة أخرى يتوجب على العقل أن يخضع للعلم".
ولعل هذا هو ما أكده "باشلار" في كتابه "الفكر العلمي الجديد" حين قال:" والحق أن العلم يبدع فلسفة وعلى الفيلسوف إذن أن يُحوّر لغته لكي يُترجم مرونة الفكر المعاصر وحركته، والنشاط الروحي للعلم الحديث ينصرف اليوم إلى بناء عالم على صورة العقل، بعد أن انصرف من قبل في أيامه الأولى إلى تشكيل العقل على صورة العالم، والنشاط العلمي يحقق زُمرا عقلية بكل ما في هذا التعبير من معنى".
هذا ويذكر "باشلار" أنه إذا كان عليه أن يُعرف المذهب العقلاني فسيُعرفه بأنه: "الفكر الذي يعاد فيه الانطلاق، والذي له في كل يوم منطق جديد، فلا يمكننا أن نؤسس اليوم على الأمس، إذا ما كنا عقلانيين حقا".
1) إبراز القيم الاستيمولوجية للعلم:
يذهب "باشلار" هنا إلى أن الابستيمولوجيا التي هي الطريق الرئيسي الذي به تحدث التغيرات في العلم والتي تدرس إمكانية المعرفة وحدودها وطبيعتها، هي أيضا طريق إلى العقل وإلى فهم هذا العقل وهنا تظهر مهمة الفلسفة التي يجب أن تبحث عن إبراز القيم الإبستيمولوجية للعلم.
وفي هذا الصدد يقول "باشلار": "إن من واجب فلسفة العلوم هو أن تبرز قيم العلم وأن تعيد في كل مرحلة من مراحل تطور العلم دراسة الموضوع التقليدي المتمحور حول قيم العلم".
وبهذا سعت عقلانيتة المعاصرة إلى "إبراز القيم الابستيمولوجية إبرازاً يقوم على إدراك مظاهر التجديد التي تميز كل مرحلة علمية،وكل نظرية علمية،أي أنها حاولت أن تكون فلسفة العلم المعاصرة تُبرز قيمه المعرفية وتستجيب له استجابة صحيحة".
ومنه ذهب "باشلار" إلى ضرورة أن تكون هذه القيمة متجددة مع تطور الفكر العلمي، لأن الكتابة حول قيمة العلم- برأيه- لن تتحلى بالموضوعية إذا لم تكن متجددة تجدد تلك القيم التي تصدر عن العلم .
لذا يستشهد "باشلار" في ذلك بالتغيرات التي طرأت على الفيزياء وعلى نظرية النسبية...وغيرها من النظريات التي تطورت بإبراز قيمها الإبستيمولوجية، بينما كانت عليه وما صارت عليه من تحولات وتبدلات...بمعنى أن القيمة الابستيمولوجية تفرض ذاتها بفضل تطور المعرفة العلمية ومنه تظهر قيمة العقل من حيث هي قيمة ثقافية ابستيمولوجية لتفرض القيم العقلانية ذاتها في مسيرة العلم، وهنا يطالب "باشلار" الخطاب الفلسفي بأن يُحاول استيعاب النتائج العلمية الجديدة بإدراكها من حيث هي قيم للعقل وللثقافة الإنسانية.
ومنه واعتمادا على هذا يُلح "باشلار" هنا على ضرورة أن تكون القيمة الابستيمولوجية قيمة للعلم، أي أن على الفيلسوف عدم إضافة القيم الخارجية، وإنما عليه إبراز القيم التي تفرض ذاتها بفضل تطور المعرفة العلمية، إذ يستند "باشلار" في هذا إلى انه لم يكن بمقدورنا معرفة القيمة الابستيمولوجية للهندسات اللاإقليدية، لولا التصور الجديد الذي تقدمه لنا هذه الهندسات لمفهوم الخط أو لتصور المكان، ليصبح مفهوم القيمة هنا هو مظهر الجدّة المعرفي الذي تتميز به نظرية علمية جديدة.
ووقوفا عند هذا تبرز سمات العلم المعاصر – حسب "باشلار"-حيث يظهر أن: "الواقع في العلم المعاصر هو الواقع المبني وليس الواقع المعطى، وهنا يظهر دور الآلة المتزايد التي جعلت من إدراكنا للواقع لا يتم إلا في ظل وجودها، فالعلم المعاصر قد أصبح آليا، حيث يلعب الكتاب فيه (العلم المعاصر) دورا مهما لأن الفكر العلمي في حد ذاته كتاب جسور وحذر بالوقت ذاته، كتاب يراد طبعه طبعة جديدة ومنقحة تعاد كتابتها أو يعاد تنظيمها" .
أما الخاصية الأخيرة للفكر العلمي التي تسعى إلى إبراز قيمته يسميها "باشلار" الخاصية التكاملية أو المجتمعية للعلم المعاصر، أي أن الباحث أو العالم ليس في عهد لإبراز بطولاته الفردية،وليس في زمن يستطيع فيه أن يبين قدراته الفردية وعليه "فالعمل العلمي أصبح عملا جماعيا، والمعرفة المعاصرة برمتها هي من التعقيد والتداخل بما يجعلها تتجاوز الجهود الفردية لأي كان مهما تكن قدراته" .
لذا يرى "باشلار" أن الموضوعية العقيلة والموضوعية التقنية والموضوعية المجتمعية هي الخصائص الثلاث الأساسية في الثقافة العلمية وهي التي ينبغي أن نبرزها كقيم ابستيمولوجية.
2) البحث عن اثر المعارف العلمية في بنية الفكر:
يقول "باشلار" في كتابه "الفكر العلمي الجديد": "إن للفكر بنية متحولة منذ كان للمعرفة تاريخ...والفكر العلمي بالدرجة الأولى، هو تصحيح معرفة، توسيع أطر المعرفة إنه يحكم على ماضيه التاريخي بإدانته، وإن بنيته هي الوعي بـأخطائه التاريخية..."
هذه إذن مهمة أخرى حاولت الابستيمولوجيا الباشلارية من خلالها السعي إلى "هيكلة العقل هيكلة منهجية، وذلك بتغيير مساره التقليدي الذي ينطلق من العقل إلى العلم من نتائج العلم إلى العقل أو الموقف الفلسفي".
وتبعا لهذا فعقل الإنسان حسب "باشلار" عبارة عن بنية* Structure لها تاريخ أي أن السير الثوري للعلم يؤثر على بنية الفكر، لأن الفكر قابل للتغيير والتبدل...،" كما أن العلم يعتقد أنه بإمكانه المُضي بفكر بدون بنية وبدون معرفة أيضا، لكننا نجد الفيلسوف غالبا ما يطرح فكرا مصحوبا بكل المقولات الأساسية لفهم الواقع".
وبما أن الفكر بنية قابلة للتغيير فيما أعلن "باشلار" سابقا نجده يقول: "إذا وضعنا مشكلة الجدّة العلمية على الصعيد النفسي الخالص لن يفوتنا أن نرى بأن هذا السير الثوري للعلم المعاصر لابد وأن يُؤثر على بنية الفكر فالفكر بنية قابلة للتغيير منذ اللحظة التي يكون فيها للمعرفة تاريخ".
ومن ثم حاول "باشلار" أن لا يخضع لموقف الفلسفات المثالية التقليدية هذه الأخيرة التي تؤكد أن الفكر الإنساني بنية ثابتة وأنه يواجه الواقع وهو حائز بصورة فطرية أو قبلية للمقولات التي تؤهله للتفكير في هذا الواقع.
**********************
وقيدي، محمد، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار
- باشلار، غاستون، فلسفة الرفض (مبحث فلسفي في العقل العلمي الجديد)،تر:خليل احمد خليل،دار الحداثة،بيروت(لبنان)،
، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة، منشورات الاختلاف (الجزائر)،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء (المغرب)، الدار العربية للعلوم، بيروت (لبنان)، الطبعة الأولى،
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 29839
نقاط : 115307
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الخاتمة
أدى المسار الفلسفي للقرنين العشرين إلى التحطم المعرفي للرباط الذي أقامه القرنين السابقين بين (العلمي-التقني-الصناعي) وجانب (الترقي) في الإنسان، فيما تكسّر المدماك الفلسفي لنظريات (التقدم)، والتي اعتمدت على ثنائية الذات- الموضوع في بناء صرح نظريتها الفلسفية عن (العقلانية)، عبر المؤشرات العملية عن طغيان اتجاهات فلسفية جديدة، في النصف الثاني من القرن العشرين، اتجهت نحو اتجاه مناقض لذلك.
يُلاحظ، أن ذلك قد ترافق مع المفارقة الملفتة في توازي التقدم المذهل على الصعيد المادي والرفاه، وفي الاختراعات والتيسيرات والتطويرات على صعيد الأشياء والأدوات التي أتاحت للإنسان مجالات لم تكن متوفرة من قبل- مع ازدياد اغتراب الإنسان عن محيطه، وتناقض قدرته للسيطرة على مصيره، ومع إحساس عام يسود المجتمعات الغربية بأن التطور المادي لم يجعل الإنسان أكثر سعادة، وبأن هذا التطور لم يجب على الأسئلة الكبرى، التي طرحها الدين والاتجاهات الفلسفية القديمة، كما كانت توحي "تفاؤلية" القرن التاسع عشر، مع الوضعية الماركسية، بأن المجتمع البشري. هو في "اتجاه حتمي" نحو ذلك.
هناك، الآن، في الغرب نكوص عن (العقلانية) التي دشّن أساسها الفلسفي، القائم على الربط بين (التقنية) و(الترقي)، فلاسفة (عصر الأنوار) الفرنسيون، وتابعت الوضعية والماركسية، اللتان سادتا الأجواء الفكرية لمعظم القرنين السابقين، ذلك المسار الذي دشّنه (ديدرو) و(دوهلباخ)، الشيء الذي أدخل الفكر الغربي في حالة أزمة عميقة، لم يشهدها منذ قرون التأسيس الأولى، تعبر عن أزمة مسار حضاري عام هو أوسع من دائرة الفكر، كانت (البنيوية) و(التفكيكية) [وقبلهما الوجودية] تعبيران عن وجود هذه الأزمة من دون أن تكون قادرة على تقديم إجابات أو معالجات لها، فيما يأتي انتعاش الكنيسة، بشكليها الكاثوليكي والبروتستانتي بعد قرون من الانكفاء وفقدان التأثير، ليعبر عن تلك الأزمة، في ظل وضعية تختلف عن مسببات الانتعاش الديني في مناطق أخرى من العالم، ولو أنه يعطيها بعداً أعمق، كظاهرة، من اقتصارها على تعبيرات مثل التي قدمها (ليفي ستروس) أو (جاك دريدا).
كان هناك ارتباطاً بين العقلانية، بما حوته من اتجاه لجعل الموضوع (=الكون-الطبيعة-المجتمع) متخارجاً وممتداً تجاه الذات، وتلك الاتجاهات السياسية التي أرادت "تغيير" العالم لا الاكتفاء بتفسيره. في هذا الإطار، يلاحظ أن دخول هذه الاتجاهات، وبالذات الماركسية وما تفرع عنها: الشيوعية والاشتراكية – الديموقراطية، في طور ضعف التأثير السياسي منذ أواخر الستينات، قد ترافق مع صعود تيارات فلسفية أخرى إلى واجهة الفكر الغربي لا تحوي فلسفة للعمل والامتداد، قامت بالانكفاء وحصر عالمها الفلسفي في (النص) و(البنية) أو في تفكيكهما، وربما كان صعودها تعبيراً عن تعثر تطبيقات الأولى على الصعيد السياسي وتقديمها لتجارب فاشلة، أكثر من كونه تطور فكري حقيقي، في قرن، مثل القرن العشرين، كان ضعيف الإنتاجية فلسفياً، ليعيش على مائدة القرن السابق الفلسفية (=هيجل-ماركس-جون ستيورات ميل- نيتشه)، فيما نجد، على جبهة اليمين السياسي، اتجاهاً، مع"المحافظين الجدد"، إلى استبدال (أوغست كونت)، وعقلانيته العلمية- الوضعية التي ألهمت الأحزاب الراديكالية في أوروبة الغربية وأميركا اللاتينية، بـ (إدموندبيرك)، مع شيء من ليبرالية (ستيورات ميل)، بكل ما يحمله (بيرك) من اتجاه معادٍ لعصر الأنوار والثورة الفرنسية، ليقدم هذا النكوص الفلسفي دلالات فكرية –سياسية على حصول هزيمة (عصر الأنوار) و(الثورة الفرنسية) و(ماركس) و (أوغست كونت)، في فترة بدء الألفية الثالثة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قائمة المراجع
- باشلار، غاستون، فلسفة الرفض (مبحث فلسفي في العقل العلمي الجديد)،تر:خليل احمد خليل،دار الحداثة،بيروت(لبنان)،
، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة، منشورات الاختلاف (الجزائر)،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء (المغرب)، الدار العربية للعلوم، بيروت (لبنان)، الطبعة الأولى،
محمد وبنعبد العالي، عبد السلام، العقل والعقلانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، (المغرب)، ط2(2007)،
أميرة،حلمي مطر، الفلسفة اليونانية (تاريخها ومشكلاتها)، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة (مصر)، د(ط) 1998
هيراقليطس، جدل الحب والحرب،تر:مجاهد عبد المنعم مجاهد،دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الخاتمة
أدى المسار الفلسفي للقرنين العشرين إلى التحطم المعرفي للرباط الذي أقامه القرنين السابقين بين (العلمي-التقني-الصناعي) وجانب (الترقي) في الإنسان، فيما تكسّر المدماك الفلسفي لنظريات (التقدم)، والتي اعتمدت على ثنائية الذات- الموضوع في بناء صرح نظريتها الفلسفية عن (العقلانية)، عبر المؤشرات العملية عن طغيان اتجاهات فلسفية جديدة، في النصف الثاني من القرن العشرين، اتجهت نحو اتجاه مناقض لذلك.
يُلاحظ، أن ذلك قد ترافق مع المفارقة الملفتة في توازي التقدم المذهل على الصعيد المادي والرفاه، وفي الاختراعات والتيسيرات والتطويرات على صعيد الأشياء والأدوات التي أتاحت للإنسان مجالات لم تكن متوفرة من قبل- مع ازدياد اغتراب الإنسان عن محيطه، وتناقض قدرته للسيطرة على مصيره، ومع إحساس عام يسود المجتمعات الغربية بأن التطور المادي لم يجعل الإنسان أكثر سعادة، وبأن هذا التطور لم يجب على الأسئلة الكبرى، التي طرحها الدين والاتجاهات الفلسفية القديمة، كما كانت توحي "تفاؤلية" القرن التاسع عشر، مع الوضعية الماركسية، بأن المجتمع البشري. هو في "اتجاه حتمي" نحو ذلك.
هناك، الآن، في الغرب نكوص عن (العقلانية) التي دشّن أساسها الفلسفي، القائم على الربط بين (التقنية) و(الترقي)، فلاسفة (عصر الأنوار) الفرنسيون، وتابعت الوضعية والماركسية، اللتان سادتا الأجواء الفكرية لمعظم القرنين السابقين، ذلك المسار الذي دشّنه (ديدرو) و(دوهلباخ)، الشيء الذي أدخل الفكر الغربي في حالة أزمة عميقة، لم يشهدها منذ قرون التأسيس الأولى، تعبر عن أزمة مسار حضاري عام هو أوسع من دائرة الفكر، كانت (البنيوية) و(التفكيكية) [وقبلهما الوجودية] تعبيران عن وجود هذه الأزمة من دون أن تكون قادرة على تقديم إجابات أو معالجات لها، فيما يأتي انتعاش الكنيسة، بشكليها الكاثوليكي والبروتستانتي بعد قرون من الانكفاء وفقدان التأثير، ليعبر عن تلك الأزمة، في ظل وضعية تختلف عن مسببات الانتعاش الديني في مناطق أخرى من العالم، ولو أنه يعطيها بعداً أعمق، كظاهرة، من اقتصارها على تعبيرات مثل التي قدمها (ليفي ستروس) أو (جاك دريدا).
كان هناك ارتباطاً بين العقلانية، بما حوته من اتجاه لجعل الموضوع (=الكون-الطبيعة-المجتمع) متخارجاً وممتداً تجاه الذات، وتلك الاتجاهات السياسية التي أرادت "تغيير" العالم لا الاكتفاء بتفسيره. في هذا الإطار، يلاحظ أن دخول هذه الاتجاهات، وبالذات الماركسية وما تفرع عنها: الشيوعية والاشتراكية – الديموقراطية، في طور ضعف التأثير السياسي منذ أواخر الستينات، قد ترافق مع صعود تيارات فلسفية أخرى إلى واجهة الفكر الغربي لا تحوي فلسفة للعمل والامتداد، قامت بالانكفاء وحصر عالمها الفلسفي في (النص) و(البنية) أو في تفكيكهما، وربما كان صعودها تعبيراً عن تعثر تطبيقات الأولى على الصعيد السياسي وتقديمها لتجارب فاشلة، أكثر من كونه تطور فكري حقيقي، في قرن، مثل القرن العشرين، كان ضعيف الإنتاجية فلسفياً، ليعيش على مائدة القرن السابق الفلسفية (=هيجل-ماركس-جون ستيورات ميل- نيتشه)، فيما نجد، على جبهة اليمين السياسي، اتجاهاً، مع"المحافظين الجدد"، إلى استبدال (أوغست كونت)، وعقلانيته العلمية- الوضعية التي ألهمت الأحزاب الراديكالية في أوروبة الغربية وأميركا اللاتينية، بـ (إدموندبيرك)، مع شيء من ليبرالية (ستيورات ميل)، بكل ما يحمله (بيرك) من اتجاه معادٍ لعصر الأنوار والثورة الفرنسية، ليقدم هذا النكوص الفلسفي دلالات فكرية –سياسية على حصول هزيمة (عصر الأنوار) و(الثورة الفرنسية) و(ماركس) و (أوغست كونت)، في فترة بدء الألفية الثالثة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قائمة المراجع
- باشلار، غاستون، فلسفة الرفض (مبحث فلسفي في العقل العلمي الجديد)،تر:خليل احمد خليل،دار الحداثة،بيروت(لبنان)،
، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة، منشورات الاختلاف (الجزائر)،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء (المغرب)، الدار العربية للعلوم، بيروت (لبنان)، الطبعة الأولى،
محمد وبنعبد العالي، عبد السلام، العقل والعقلانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، (المغرب)، ط2(2007)،
أميرة،حلمي مطر، الفلسفة اليونانية (تاريخها ومشكلاتها)، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة (مصر)، د(ط) 1998
هيراقليطس، جدل الحب والحرب،تر:مجاهد عبد المنعم مجاهد،دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 29839
نقاط : 115307
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
اختي الفاضلة عبير الروح
كلمات الشكر و الامتنان لن تكفي عن وصف مدى تقديري لمجهودك الكبير هذا
كنت ادخل كل يوم كزائر واعتقدت انكم عجزتم عن مساعدتي لصعوبة الموضوع
لكن بالفعل كفيتم و وفيتم
تحية خاصة لك بنت بلادي
و تحية مملوءة بالاحترام لاخي الكريم القلب الكبير
و الف شكر على مساعدتي
لن انسى هذه المبادرة مدى حييت
بارك الله فيكم و دمتم سالمين
كلمات الشكر و الامتنان لن تكفي عن وصف مدى تقديري لمجهودك الكبير هذا
كنت ادخل كل يوم كزائر واعتقدت انكم عجزتم عن مساعدتي لصعوبة الموضوع
لكن بالفعل كفيتم و وفيتم
تحية خاصة لك بنت بلادي
و تحية مملوءة بالاحترام لاخي الكريم القلب الكبير
و الف شكر على مساعدتي
لن انسى هذه المبادرة مدى حييت
بارك الله فيكم و دمتم سالمين
نزيم- عضو جديد
-
عدد المساهمات : 2
نقاط : 15091
تاريخ التسجيل : 17/02/2011
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
اخي نزيم
الحمد الله ان البحث افادك و لو بجزء
تقبل مني فائق الاحترام متمنية لك كل النجاح
بالتوفيق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الحمد الله ان البحث افادك و لو بجزء
تقبل مني فائق الاحترام متمنية لك كل النجاح
بالتوفيق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 29839
نقاط : 115307
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بسمة حزن- عضو مميز
-
عدد المساهمات : 184
نقاط : 14733
تاريخ التسجيل : 10/12/2011
رد: بحث شامل حول ازمة العقلانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 29839
نقاط : 115307
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
شهد القلوب :: شهد الأدبية :: المكتبة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى