مواقف بكى فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم)
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مواقف بكى فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم)
السلام عليكم رحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
مواقف بكى فيها الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
و من أعظم البكاء , البكاء من خشية الله تعالى ,
وفي الحديث الشريف ( عينان لا تمسهما النار , عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ).
و يقول الله تعالى : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) الإسراء109
و يقول تعالى : (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) مريم 58
ويمثّل البكاء مشهدا ًمن مشاهد الإنسانية عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حين كانت تمر به المواقف المختلفة ، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها فؤاده الطاهر
ودموع النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن سببها الحزن والألم فحسب ، ولكن لها دوافع أخرى
كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ، وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى 0
فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم - شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، سالت العبرات خشية ورحمة وخوفاً وشفقة وشوقاً ومحبة0
والبكاءُ فطرةٌ بشريّةٌ كما ذكر أهل التفسير ، فقد قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى : { وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } النجم 43 : " أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء ...
" تفسير القرطبي " 0
وبما أن البكاء فعل غريزي لا يملك الإنسان دفعه غالباً فإنه مباح بشرط ألا يصاحبه ما يدلُّ على التسخُّط من قضاء الله وقدره ، لقول النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمعِ العينِ ولا بحزنِ القلبِ ، ولكن يُعَذِّبُ بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحمُ " البخاري ومسلم 0
*******
عندما قرأ إبن مسعود سورة النساء
عَن ابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليهسورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً } النساء 40 قال " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن بطال : وإنما بكى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند هذا لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة ، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به ، وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف ، وأهواله ، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن
يستفاد من الحديث :
1- قول الرسولصلى الله عليه وسلم للقارئ (حسبك الآن) ولم يقل صدق الله العظيم .
2- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب سماع القرآن من غيره .
3- أن الخشوع عند سماع القرآن يكون بالبكاء لا بالصياح .
*******
بكى من خشيــــــــــــة اللــه--
كان النبي صلى الله عليه وسلم رقيق القلب يبكي اذا سمع القرآن الكريم، أو إذا رأى من يبكي من خشية الله، وقد جاء ذلك فيما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت (أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون) سورة النجم 59- 60 ، بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصر على معصيته، ولو لم تذنبوا لجاءالله بقوم يذنبون فيغفر لهم ( 0
ووردت أحاديث كثيرة تبين فضل البكاء من خشية الله ومنها عن انس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خطبة ماسمعت مثلها قط فقال : (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم حنين أي بكاء ) 0
ووصفت صورة بكاء في الصلاة، فعن عبدالله بن الشخير قال: (أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزير المرجل من البكاء) رواه أحمد .
وأشار علي بن ابي طالب رضي الله عنه الى ان النبي (صلى الله عليه وسلم) كان ليلة بدر قائما يصلي يدعو ربه ويبكي ويكثر الابتهال والتضرع ان ينصر الله المؤمنين .
ويحكي تلك الواقعة علي بن ابي طالب رضي الله عنه فيقول: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا قائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح .
*******
بكى وهو يصلـى
عن عبيد بن عمير رحمه الله : " أنه قال لعائشة - رضي الله عنها - : أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال : فسكتت ثم قالت : لما كانت ليلة من الليالي .
قال : " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي " .
قلت : والله إني أحب قُربك ، وأحب ما يسرك .
قالت : فقام فتطهر ، ثم قام يصلي .
قالت : فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !
قالت : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته !
قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : " أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ … } آل عمران 190
رواه ابن حبان وغيره ، وصححه الشيخ الألباني
*******
عند إستلام الحجر الأسود
والواضح أن لبعض الاماكن أهمية خاصة عند النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت تذكره بالله ، فيبكي وتفيض عيناه من خشية الله ، ومن هذه الاماكن التي كانت تؤثر فيه صلى الله عليه وسلم الحجر الاسود، فروي عنه انه كان يبكي عنده ويقول: (هنا تسكب العبرات) .
ويروي ابن خزيمة في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عينه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا ومشى أربعا حتى فرغ، فلما فرغ قبل الحجر ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه .
*******
عند كســـــــــــــوف الشمس
فعندما انكسفت الشمس روي أنه (صلى الله عليه وسلم) قام يصلي وبكى في صلاته وهو يدعو خوفا على أمته أن يهلكوا بعذاب من عند الله .
ويحكي عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما هذا الموقف فيقول: “انكسفت الشمس يوما على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى لم يكد يركع، ثم يركع، فلم يرفع رأسه، ثم رفع رأسه، فلم يكد أن يسجد، ثم سجد، فلم يكد أن يرفع رأسه فجعل ينفخ ويبكي فلما صلى ركعتين انجلت الشمس، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا انكسفا فافزعوا الى ذكر الله) 0 رواه البخارى
*******
لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار
عن الزهري عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله بحنين من غنائم هوازن فأفشى القسم في أهل مكة من قريش وغيرهم
فغضب الأنصار فلما سمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في منازلهم ثم قال: من كان ها هنا ليس من الأنصار فليخرج إلى رحلة ثم تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال : يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناسا أتألفهم على الإسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل الله قلوبهم الإسلام ثم قال : يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأنصار رسوله ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم الشاة والنعم والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما سمعت الأنصار قول النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: رضينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوني فيما قلت فقالت الأنصار : يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فاصنع يا رسول الله ما شئت في أوسع الحل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم لو قلتم ألم تأتنا طريدا فآويناك ومكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وقبلنا ما رد الناس عليك لو قلتم هذا لصدقتم فقالت الأنصار بل الله ولرسوله المن والفضل علينا وعلى غيرنا ثم بكوا فكثر بكاءهم فبكى النبي صلى الله عليه وسلم معهم ورضي عنهم فكانوا بالذي قال لهم أشد اغتباطا وأفضل عندهم من كل مال.
(المعجم الكبير ج7/ص151)
( السيرة النبوية لإبن هشام)
(الرحيق المختوم )
*******
الشفاعة بالنبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء
روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة فقام رجل فقال يا رسول الله أجدبت الأرض وهلكت المواشي فاسق لنا الغيث فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء ودعا فما ضم يديه حتى مطرت السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله در أبي طالب لو كان في الأحياء لقرت عيناه
فقال علي رضي الله عنه : تعني يا رسول الله قوله وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل فقال صلى الله عليه وسلم : أجل
وفي بعض الروايات قام ذلك الأعرابي وأنشد فقال:
أتيناك والعذراء يدمى لبانها وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وقال في آخره:
وليس لنا إلا إليـــــك فرارنا وليس فرار الناس إلا إلى الرسل
فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخضلت لحيته الشريفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهم اسقنا غيثا مغيثا عذبا طيبا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل فما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى صدره حتى مطرت السماء.
(بدائع الصنائع )
تعليق :
يقول الله تعالى في سورة الذاريات-آية 50- (ففروا إلى الله ), ويقصد الشاعر الفرار للرسل في حال وجودهم أحياء مع أقوامهم وذلك شفاعة إلى الله تعالى للسقيا , ولكن بعد موت الرسل لا ينفع شفاعتهم ولكن الشفاعة تحدث حال كونهم أحياء .
*******
ألقيتها في البئر
وروي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك تكون محزونا فقال يا رسول الله إن أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت فقال له : أخبرني عن ذنبك فقال يا رسول الله إن كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت وصارت من أجمل النساء فخطبوها فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج فقلت للمرأة إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي وأخذت على المواثيق بألا أخونها فذهبت بها إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول يا أبت ماذا تريد أن تفعل بي فرحمتها ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية ثم التزمتني وجعلت تقول يا أبت لا تضيع أمانة أمي فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة وهي تنادي في البئر يا أبت قتلتني فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال : لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك.
(تفسير القرطبي ج7/ص97)
*******
بكى عندما نزلت "وأنذر عشيرتك الأقربين"
وأخبرنا أبو الوفاء محمود بن أبي القاسم بن عمر يعرف بحكما سبط محمد بن أبي سعد البغدادي في كتابه من أصبهان أن أبا العلاء محمد بن عبد الجبار بن محمد الفرساني أخبرهم سنة خمس وتسعين وأربعمائة أبنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمر ثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن بن عمر بن بشير الثقفي ثنا الحسن بن سهل ثنا سهل بن بكار ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس قال لما نزلت : (وأنذر عشيرتك الأقربين) بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جمع أهله فقال : يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ثم التفت إلى فاطمة فقال : يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أغني عنكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها.
(الأحاديث المختارة ج7/ص113- 114)
*******
البكاء على المنبر
وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال قام أبو بكر الصديق على المنبر ثم بكى فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول على المنبر ثم بكى فقال : سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية .
(رواه الترمذي)
فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم - شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، سالت العبرات خشية ورحمة وخوفاً وشفقة وشوقاً ومحبة
بسم الله الرحمن الرحيم
مواقف بكى فيها الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
و من أعظم البكاء , البكاء من خشية الله تعالى ,
وفي الحديث الشريف ( عينان لا تمسهما النار , عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ).
و يقول الله تعالى : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) الإسراء109
و يقول تعالى : (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) مريم 58
ويمثّل البكاء مشهدا ًمن مشاهد الإنسانية عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حين كانت تمر به المواقف المختلفة ، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها فؤاده الطاهر
ودموع النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن سببها الحزن والألم فحسب ، ولكن لها دوافع أخرى
كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ، وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى 0
فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم - شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، سالت العبرات خشية ورحمة وخوفاً وشفقة وشوقاً ومحبة0
والبكاءُ فطرةٌ بشريّةٌ كما ذكر أهل التفسير ، فقد قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى : { وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } النجم 43 : " أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء ...
" تفسير القرطبي " 0
وبما أن البكاء فعل غريزي لا يملك الإنسان دفعه غالباً فإنه مباح بشرط ألا يصاحبه ما يدلُّ على التسخُّط من قضاء الله وقدره ، لقول النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمعِ العينِ ولا بحزنِ القلبِ ، ولكن يُعَذِّبُ بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحمُ " البخاري ومسلم 0
*******
عندما قرأ إبن مسعود سورة النساء
عَن ابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليهسورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً } النساء 40 قال " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن بطال : وإنما بكى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند هذا لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة ، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به ، وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف ، وأهواله ، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن
يستفاد من الحديث :
1- قول الرسولصلى الله عليه وسلم للقارئ (حسبك الآن) ولم يقل صدق الله العظيم .
2- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب سماع القرآن من غيره .
3- أن الخشوع عند سماع القرآن يكون بالبكاء لا بالصياح .
*******
بكى من خشيــــــــــــة اللــه--
كان النبي صلى الله عليه وسلم رقيق القلب يبكي اذا سمع القرآن الكريم، أو إذا رأى من يبكي من خشية الله، وقد جاء ذلك فيما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت (أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون) سورة النجم 59- 60 ، بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصر على معصيته، ولو لم تذنبوا لجاءالله بقوم يذنبون فيغفر لهم ( 0
ووردت أحاديث كثيرة تبين فضل البكاء من خشية الله ومنها عن انس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خطبة ماسمعت مثلها قط فقال : (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم حنين أي بكاء ) 0
ووصفت صورة بكاء في الصلاة، فعن عبدالله بن الشخير قال: (أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزير المرجل من البكاء) رواه أحمد .
وأشار علي بن ابي طالب رضي الله عنه الى ان النبي (صلى الله عليه وسلم) كان ليلة بدر قائما يصلي يدعو ربه ويبكي ويكثر الابتهال والتضرع ان ينصر الله المؤمنين .
ويحكي تلك الواقعة علي بن ابي طالب رضي الله عنه فيقول: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا قائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح .
*******
بكى وهو يصلـى
عن عبيد بن عمير رحمه الله : " أنه قال لعائشة - رضي الله عنها - : أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال : فسكتت ثم قالت : لما كانت ليلة من الليالي .
قال : " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي " .
قلت : والله إني أحب قُربك ، وأحب ما يسرك .
قالت : فقام فتطهر ، ثم قام يصلي .
قالت : فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !
قالت : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته !
قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : " أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ … } آل عمران 190
رواه ابن حبان وغيره ، وصححه الشيخ الألباني
*******
عند إستلام الحجر الأسود
والواضح أن لبعض الاماكن أهمية خاصة عند النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت تذكره بالله ، فيبكي وتفيض عيناه من خشية الله ، ومن هذه الاماكن التي كانت تؤثر فيه صلى الله عليه وسلم الحجر الاسود، فروي عنه انه كان يبكي عنده ويقول: (هنا تسكب العبرات) .
ويروي ابن خزيمة في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عينه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا ومشى أربعا حتى فرغ، فلما فرغ قبل الحجر ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه .
*******
عند كســـــــــــــوف الشمس
فعندما انكسفت الشمس روي أنه (صلى الله عليه وسلم) قام يصلي وبكى في صلاته وهو يدعو خوفا على أمته أن يهلكوا بعذاب من عند الله .
ويحكي عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما هذا الموقف فيقول: “انكسفت الشمس يوما على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى لم يكد يركع، ثم يركع، فلم يرفع رأسه، ثم رفع رأسه، فلم يكد أن يسجد، ثم سجد، فلم يكد أن يرفع رأسه فجعل ينفخ ويبكي فلما صلى ركعتين انجلت الشمس، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا انكسفا فافزعوا الى ذكر الله) 0 رواه البخارى
*******
لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار
عن الزهري عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله بحنين من غنائم هوازن فأفشى القسم في أهل مكة من قريش وغيرهم
فغضب الأنصار فلما سمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في منازلهم ثم قال: من كان ها هنا ليس من الأنصار فليخرج إلى رحلة ثم تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال : يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناسا أتألفهم على الإسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل الله قلوبهم الإسلام ثم قال : يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأنصار رسوله ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم الشاة والنعم والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما سمعت الأنصار قول النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: رضينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوني فيما قلت فقالت الأنصار : يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فاصنع يا رسول الله ما شئت في أوسع الحل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم لو قلتم ألم تأتنا طريدا فآويناك ومكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وقبلنا ما رد الناس عليك لو قلتم هذا لصدقتم فقالت الأنصار بل الله ولرسوله المن والفضل علينا وعلى غيرنا ثم بكوا فكثر بكاءهم فبكى النبي صلى الله عليه وسلم معهم ورضي عنهم فكانوا بالذي قال لهم أشد اغتباطا وأفضل عندهم من كل مال.
(المعجم الكبير ج7/ص151)
( السيرة النبوية لإبن هشام)
(الرحيق المختوم )
*******
الشفاعة بالنبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء
روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة فقام رجل فقال يا رسول الله أجدبت الأرض وهلكت المواشي فاسق لنا الغيث فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء ودعا فما ضم يديه حتى مطرت السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله در أبي طالب لو كان في الأحياء لقرت عيناه
فقال علي رضي الله عنه : تعني يا رسول الله قوله وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل فقال صلى الله عليه وسلم : أجل
وفي بعض الروايات قام ذلك الأعرابي وأنشد فقال:
أتيناك والعذراء يدمى لبانها وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وقال في آخره:
وليس لنا إلا إليـــــك فرارنا وليس فرار الناس إلا إلى الرسل
فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخضلت لحيته الشريفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهم اسقنا غيثا مغيثا عذبا طيبا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل فما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى صدره حتى مطرت السماء.
(بدائع الصنائع )
تعليق :
يقول الله تعالى في سورة الذاريات-آية 50- (ففروا إلى الله ), ويقصد الشاعر الفرار للرسل في حال وجودهم أحياء مع أقوامهم وذلك شفاعة إلى الله تعالى للسقيا , ولكن بعد موت الرسل لا ينفع شفاعتهم ولكن الشفاعة تحدث حال كونهم أحياء .
*******
ألقيتها في البئر
وروي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك تكون محزونا فقال يا رسول الله إن أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت فقال له : أخبرني عن ذنبك فقال يا رسول الله إن كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت وصارت من أجمل النساء فخطبوها فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج فقلت للمرأة إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي وأخذت على المواثيق بألا أخونها فذهبت بها إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول يا أبت ماذا تريد أن تفعل بي فرحمتها ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية ثم التزمتني وجعلت تقول يا أبت لا تضيع أمانة أمي فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة وهي تنادي في البئر يا أبت قتلتني فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال : لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك.
(تفسير القرطبي ج7/ص97)
*******
بكى عندما نزلت "وأنذر عشيرتك الأقربين"
وأخبرنا أبو الوفاء محمود بن أبي القاسم بن عمر يعرف بحكما سبط محمد بن أبي سعد البغدادي في كتابه من أصبهان أن أبا العلاء محمد بن عبد الجبار بن محمد الفرساني أخبرهم سنة خمس وتسعين وأربعمائة أبنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمر ثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن بن عمر بن بشير الثقفي ثنا الحسن بن سهل ثنا سهل بن بكار ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس قال لما نزلت : (وأنذر عشيرتك الأقربين) بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جمع أهله فقال : يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ثم التفت إلى فاطمة فقال : يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أغني عنكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها.
(الأحاديث المختارة ج7/ص113- 114)
*******
البكاء على المنبر
وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال قام أبو بكر الصديق على المنبر ثم بكى فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول على المنبر ثم بكى فقال : سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية .
(رواه الترمذي)
فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم - شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، سالت العبرات خشية ورحمة وخوفاً وشفقة وشوقاً ومحبة
رد: مواقف بكى فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم)
مشكووووووووووووووووور اخى
تسلم على الموضوع
جزاك الله كل خير
تسلم على الموضوع
جزاك الله كل خير
زهرة القمر- عضو ماسي
-
عدد المساهمات : 632
نقاط : 18441
تاريخ التسجيل : 27/11/2009
العمر : 31
توته الشقيه- VIP
-
عدد المساهمات : 2900
نقاط : 34018
تاريخ التسجيل : 16/09/2009
ابومحمد- نائب المدير العام
-
عدد المساهمات : 3333
نقاط : 28889
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
الموقع : شهد القلوب
مواضيع مماثلة
» مواقف طريفة أضحكت النبي صلى الله عليه وسلم
» تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لبناته رضي الله
» من زهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
» هل تحب الرسول صلى الله عليه وسلم ...!!!
» أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم
» تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لبناته رضي الله
» من زهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
» هل تحب الرسول صلى الله عليه وسلم ...!!!
» أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى