العشق القديم بين دمشق الياسمين وفيروز

أرشيف حكواتي الشام

فيروز ودمشق قصة عشق ازلي..
2012-05-25



في أحد الأيام في مطلع الخمسينيات كان مدير برامج الإذاعة السورية الأمير يحيى الشهابي يجلس في مطعم( العجمي) في بيروت وهو يستمع إلى إذاعتها, حين لفت مسمعه صوت لمطربة ناشئة اسمها (فيروز) وسرعان ما ذهب إلى زميله وصديقه رئيس دائرة الموسيقا في الإذاعة اللبنانية آنذاك الموسيقار حليم الرومي , فاستدعاها وهي في ثياب المدرسة , وبصحبتها عاصي متأبطاً كمانه, ومنصور في زيّ شرطي وهو يحمل بُزقَه, وعرض الامير الشهابي على الثلاثة العمل مع إذاعة دمشق, فوافقوا وخصصّ لهم يوم الأحد أسبوعياً لتقديم أعمالهم عبر الأثير .

وهكذا قدّموا اسكتشات غنائية لسبع ومخّول وبو فارس , وأغنيات عديدة, قبل أن تحتضنهم مواسم معرض دمشق الدولي الغنائية ,ليصبحوا من رموزه الخالدة , ومن طرائف تلك الفترة أن فيروز دخلت مرة على الأمير يحيى الشهابي في مكتبه بالإذاعة وهي تبكي قائلة: إن عاصي يريد أن يطردها ويستبدلها بمطربة أخرى , فاستدعى عاصي , وأصرّ على أن يُبقي فيروز كشرط أساسي لاستمرار عملهم في الإذاعة السورية , والمفاجئ أن عاصي وفيروز تزوّجا بعد فترة قصيرة, وكان الأمير الشهابي أحد المدعوين إلى حفل زفافهما في بيروت .

أما علاقة فيروز والرحابنة بمعرض دمشق الدولي فبدأت عام 1954 مع أولى دوراته ,حيث قدموا برنامجاً منوعاً تضمن وصلة موشّحات أندلسية , وأغنيات (يا قمر أنا وياك) و(ما في حدا ) وغيرها وتواصلت مشاركات فيروز في مواسم المعرض سنوياً عبر حفلات منوعات, إلى ان بدأ تقديمهم للمسرحيات الغنائية, وكانت أولها (جسر القمر) عام 1962 ثم جاءت على التوالي (الليل والقنديل) عام 1963 و(بياع الخواتم) 1964 ,(هالة والملك) 1967 ,(الشخص) 1968, (جبال الصوان )1969, (صح النوم) 1971, (ناطورة المفاتيح) 1972 ,(المحطة) 1973, (لولو) 1974 ,(ميس الريم) 1975 ,(بترا) 1977.

من هي فيروز؟

المطربة الاستثنائية فيروز، اسمها الحقيقي نهاد حداد، ولدت في جبل الأرز في لبنان في 21 نوفمبر عام 1935، والدها هو وديع حداد، أما والدتها فهي ليزا البستاني. نشأت في منزل متواضع، وعقب عامين من ولادتها انتقلت العائلة إلى شارع "الباسطا"، في بيروت، حيث وجد الأب عملاً في " لو جور برينت هاوس"، وفي تلك الأثناء بدأت فيروز الغناء كأي طفلة، فكانت تردد الأغنيات التي تستمع إليها من الإذاعة من راديو الجيران، وخاصة أغنيات ليلى مراد وأسمهان، ثم التحقت بكورال الأطفال في المدرسة التي كانت تدرس بها. في ذلك الوقت كان الأخوين "محمد فليفل وأحمد فليفل" يحضران لبرنامج غنائي للإذاعة اللبنانية، وتم اختيار الطفلة نهاد من المدرسة ضمن الأصوات المشاركة في هذا البرنامج، ولكن والدها رفض عملها كمطربة بالإذاعة، معتقداً أنها سوف تغني في حفلات عامة، إلا أنه وافق بعد ضمانات قدمها له الأخوان فليفل بأنها لن تغني إلا ضمن كورال الإذاعة. بعد ذلك التحقت فيروز بمعهد الكونسرفتوار، حيث لم يقبل منها الملحن وديع صبرا -الذي كان مديرا للمعهد في ذلك الوقت- أي رسوم مقابل الدراسة، وبعد ذلك بشهور قليلة ساعدها الأخوان فليفل لأن تكون عضواً ضمن كورال الإذاعة اللبنانية، وحصلت على راتبها وقدره مائة ليرة لبنانية، وظلت فيروز تغني مع كورال الإذاعة لمدة شهرين، ثم اختيرت لتغني بمفردها بعد أن أعجب بصوتها الملحن حليم الرومي الذي اختار لها اسمها الفني فيروز، بعد أن خيرها بين هذا الاسم واسم "شهرزاد"، فاختارت أن تكون فيروز. قرر حليم الرومي أن يقدم فيروز للأخوين رحباني، "عاصي ومنصور" عام 1951، وقد كانا يعدان لمشروع غنائي متميز ومختلف يعتمد على إحياء التراث اللبناني مستخدمين أسلوبا عصريا في التوزيع، ولكن اعترض منصور على صوت فيروز بدعوى أنه لن يكون مناسبا لأداء الأغاني التي يؤلفونها، أما عاصي فلم يتردد في الموافقة على التلحين لها، وكانت البداية مع أغنيات شعبية موزعة موسيقياً بطريقة جديدة مثل أغنية "البنت الشلبية"، ثم تطورت لأغنيات خالصة التأليف والتلحين للأخوين رحباني، مثل "نحنا والقمر جيران"، وفي تلك الأثناء بدأت مشاعر الحب تنمو بين عاصي وفيروز، إلى أن أعلنا الزواج في يوليو 1954 وفي عام 1956 رزقت فيروز بابنها الأول زياد، ثم بعد ذلك أنجبت ابنتها ريما. في عام 1956 بدأت إطلالات فيروز والرحابنة في مهرجانات بعلبك، وازدادت شهرتهم وبدأت حفلاتهم تجوب العالم، ولم تكتف فيروز بالغناء للأخوين رحباني، بل تعاونت مع ملحنين عدة، من أمثال محمد عبد الوهاب، وفليمون وهبة، وفي ذات الوقت أعادت تقديم عدد من أغنيات الملحن سيد درويش مثل "زوروني كل سنة مرة" وغيرها. كذلك قامت فيروز ببطولة عدة مسرحيات وأفلام غنائية ناجحة، منها "لولو- بياع الخواتم- أيام فخر الدين- المحطة- جسر القمر- ميس الريم" وغيرها. وفي آخر سنوات السبعينيات تم الانفصال بين فيروز وعاصي، ولكن ظلت فيروز تغني من ألحان "زياد". أما أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، رفضت فيروز مغادرة بيروت، وعقب انتهاء الحرب، عادت لتغني من جديد. تجلت المرحلة الجديدة لفيروز في تعاونها مع ابنها زياد رحباني صاحب الرؤية الموسيقية المختلفة والتي تجمع بين الموسيقى الشرقية والغربية في تمازج رائع، وقد كان أول ألبوم تقدمه فيروز مع زياد رحباني هو ألبوم "معرفتي فيك"، ثم توالت أعمالهما الناجحة والتي كان آخرها ألبوم "ولا كيف" عام 2001. في عام 2005 تم منحها لقب الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت للصوت.
وعلى صعيد الغناء ,شدَت فيروز بكثير من الأغنيات عن سورية والشآم, ومن أجمل ما غنّت للشام قصيدة (سائليني يا شآم) عام 1961 للشاعر سعيد عقل التي يقول في مطلعها :

سائليني يا شام حين عطّرتِ السلام

كيف غارَ الورد ُ واعتلّ الخُزام

أنا حتى لو رحتُ استرضي الشذا

لانثنى لبنانُ عطراً يا شام

ومما غنته فيروز عن دمشق أيضاً (قرأتُ مجدكِ)- (يا شامُ ذا السيف)-(يا شامُ عاد الصيف) –(خذني بعينيك)

وبعد حرب تشرين التحريرية عام 1973 غنت فيروز (بالغار كُللتِ أم بالنارِيا شام)

كما يجدر الاشارة إلى أن السيدة فيروز غنت عدة أغاني من ألحان الملحن السوري محمد محسن ومنها: جاءت معذبتي- لي فؤاد- لو تعلمين – وأحبُّ من الأسماء , وجميعها من الشعر العربي القديم.