عجيب أمرك أيها الإنسان

من طرف عبير الروح الخميس 17 مايو 2012, 11:14 pm

جلست وقلمي نُفْضِي إلي الأوراق حديثاً شجيا ذاقت به سبل النفس واستوحشت منه جنباتُهَا ، حتى ماعادت تطيق له كتماناً ولا تملك له مكاناً ،

فحمّلَتهُ قلماً نحيفاً ماهو إلا سن قائم في نصاب ينثر بالسواد دررا على البياض ، ويمسح بالدرر سوادا علا النفس وحجب عنها نسمات السماء و سعة الفضاء ، وقرب الأحبة والأصدقاء .

هو حديث إنسان عن بني الإنسان ، عن الغرابة والتوهان ، عن الحزن والوجدان ، عن الخير والعرفان ، عن الحب والكتمان ، لكنه في النهاية فقط عن غرابة بني الإنسان .

عن الإنسان كيف يدفع نفسه إلي ما يظن ونفسه تدفعه إلا ما يستيقن وليس بينه وبين أن يبصر طريق الخير من غيرها من الطرق

سوى ومضات نور من إيمان القلب وصفاء الروح تعطي السبيل سراجا يحمله على الوضوح .

الإنسان .... يكون طفلا يداعب الدنيا وتلاعبه ويضاحك الوجود ويضحك له فيأبى إلا أن يحلم بالشباب والرجولة والكبر

حتى إذا اشتد عوده نقض عهوده، وحن إلى صباه وصغره إلى فراغه ومرحه إلى صفائه وطهارته وكأنه يخجل من الدنيا أن أحدث فيها ما يُخجِل ،

أو كأنه يعاتب الزمان على سرعته وأن سلب منه عمرا انقضى زمنه وبقيت فرحته حبيسة الذكريات و خيبته تأبى التستر والمدارات يقول لو .... ولكم قالها .... ولو عادو لعادو لما نهو عنه .

ثم يكون شابا فيرسم لوحتا فنية لرجل المستقل ، يبدؤها برفيقة دربه التي يصورها بأوراق الورد ويرسمها بريشة الخيال ،،

فيضع فيها كل صفات الكمال ، ولا يترك موضعا للنقص أو الإغفال ، فتكون في مخيلته ملكة الوجود وفي واقعه حلمه المفقود ،،

لكنه ما ينفك يأتي عليه زمان يُقَبِلُ خياله قٌبَلَ الوداع الاخيرة ، وماينفك الواقع يهوي بمعاوله على أحلامه الكبيرة ،،

ثم تزوجه الأقدار بأول فتاة يقابلها فتقبله ، فيسخط ويشقى أو يقنع ويرضى لكنه على كل أحواله يعتاد فينقاد ،،

ثم إنه ينطلق بعنفوان شبابه في لتحصيل الدنيا إنطلاق الوحوش الضارية في البراري والصحاري ،،

كأنه يبحث عن سراب ، أو في سراب يبحث ، فلا هو يجد ما يريد ولا هو يعرف ما وجد وما فقد ،،

حتى إذا ذبلت ورود الشباب الجميلة ، وبليت أغصان الفتوة القوية ، وأعلن الشباب نيته بالانسحاب ،،

أفاق الكهل من غفلته ، ووجد الزمان قد سحب بساط العمر من تحت قبضته ، وأن الشباب قد انقضى في غيبته ،،

وأدرك أن الزمان لم يكتف بتغيير العمر والأرقام فحسب ، بل وغير الطموحات والأحلام ،.

فما أراده ذلك الشاب وسعى إليه ،أدركه هذا الكهل لكن بلا رغبة فيه ولا إليه ، فقد تحولت أحلامه إلى أحلام ناضج محنك .

وزادت في رصيده الأرقام ونقصت من رصيده الأرقام ، وبقي مع كل هذا في صراع مع الأحلام ،،

إلا أن يأتي المشيب بالنعي القريب ، ويدرك هذا الإنسان أنه إلى داعيه مقبل مجيب ،،

فينظر إلى الخلف فلا يرى إلا ماضيا قريب ، ترك فيه عمره وما هو إليه حبيب ، فلا يدري أمحسن هو أم أنه قاصد غريب ،،

عجيب أمرك أيها الإنسان ، فأفتوني في أمري أيها الخلان :

هل هي النفس ، أم أن هذا حال الدنيا ، أم هو طبع الإنسان ؟؟

عجيب أمرك أيها الإنسان 1337201983623