الجمال بين الكمال والجلال

من طرف شوق الحنان الخميس 21 يوليو 2011, 2:11 pm

الجمال بين الكمال والجلال

بدا نوره في طبيعة بعض الأشياء
وظهرت آثاره في معالم الأرض والسماء
وطبعت صورته على وجوه اغلب النساء
وتغزل فيه أكثر الشعراء
وتغذى لأنواعه مختلف المفكرين
وتأمل فيه بعض الفلاسفة
وتآمر على ظهوره الحاقدون الآثمون
ذلك هــو
الــجمـــال

قبلة العاشقين
نزهة الناظرين
متعة المحبين
حير الناس بمعرفته
فكان أمرا نسبيا من إنسان لأخر
الهم الفنان فأبدع
ونطق بحسنه فاسمع
وضرب بسياط الفتنه فأوجع
صورته الأساطير إلها
وعبده أناس من السطحيين فقربوا له القرابين
وتذللوا لسلطانه خاضعين
فترك بصماته في قلوبهم و انقادرو خاشعين
ولقد اختلف مفهوم الجمال من حضارة إلى أخرى
وكذلك عبرت الفنون المزدهرة في هذه الحضارات
عن نماذج ومثل متباينة للجمال
فالاغريق القدماء مثلا قد تمثلوا نماذج الجمال
في الصور الإنسانية
إما العصر البيزنطي فقد تمثلوا نماذج الجمال وعبروا عنها
في الصور التي تسمو على السمات الإنسانية
وتعبر عن سمات الإلوهية

فلقد اثر الجمال في كل العصور
فحير ...وغير... وطور... وأزهر فنونا خالدة
ما كانت في عصرنا لولا وجوده في الأنفس وإثرائه للعقول
ولقد جعل العلماء للجمال
ظاهرا ... وباطنا ... و ملموسا
ومحسوسا ... وخفيا... وغامضا
وكذلك جعلوا له أصولا ... وقواعد ... وأسسا ... ومقاييس
ودلالات ... وصفات ... وأمارات
ونماذج مفهومة وغامضة
وبعض الناس يرى أن الجمال نوعان
جمال يدفع بالمتنسك إلى التهتك
جمال يدفع بالمتهتك إلى التنسك

الــحق بيــن الـــجمال والـــكمال

ويقول أرسطو عن عظمة الإلوهية

أنها ثلاث أشياء
هي عماد الحب والسعادة في كوننا هذا
الإلوهية ... حق ... والجمال ... وكمال
فالحق ... ما يعتقد الناس وجوده
الجمال ... هو الصلة التي يريدها الإنسان لكلما هو حق
والكمال ... انتخاب واستعمال الوسائل الصالحة
للوصول من الحق إلى الجمال

الإحســـاس بالجمـــال

أن الشعور بالجمال يهز النفس الحساسة ويعرجها عن أطوارها
وبمجرد تواصل النظرة الأولى يشعر المنظور بلذة هذه النظرة
فإذا ازدادت النظرات شعر باشتياق للمحادثة ومالت نفسه إليه
وبواسطة الانجذاب الروحي يتم التعارف بينهما
وبسرعة غربية تتوطد بينهما دعائم الوفاق
أليس ذلك من تأثير مغناطيسية الجمال

الجمــال في مــعظم الكائنـــات

حقا أن الجمال قد ملك القلوب والنواظر
وهيمن على الأرواح والخواطر
فسلك ببعض الناس بر الأمان وأودى بآخرين إلى شتى المخاطر
فالجمال حاضر في كل نفس موصول بكل حس
يستشعره الإنسان كما يستشعره الحيوان
الجمال ... يتجلي في الإنسان ... في الحيوان
في النبات ... في الماء ... في كواكب السماء
في الجبل الأشم ... في الصخر الأصم
بل انه ماثل في كل خلق من خلق الله لو تفقده المتأملون

كـــيف نـــدرك الــجمال

ويجيب على هذا السؤال الإمام أبو حامد الغزالي فيقول
يدرك الجمال الحسي بالبصر والسمع وسائر الحواس
إما الجمال الاسمي فيدك بالعقل والقلب
فان كان الجمال يتناسب مع الخلقة وصفاء اللون
فانه يدرك بحاسة البصر
وان كان الجمال بالجلال والعظمة
وعلو الرتبة وحسن الصفات
والأخلاق وإدارة الخيرات لكافة الخلق
وإفاضتها عليهم على الدوام
فانه يدرك بحاسة القلب
ولا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم
إلا وهو حسنه من حسنات الله
واثر من آثار كرمه وغرفة من بحر جوده
سواء أدرك هذا الجمال بالحواس أم بالعقل

وجمال الله سبحانه أكمل الجمال
فان مصدر الجمال هو الله
وان الطبيعة هي العمل الفني لله
فالجمال وحده تنبثق من الواحد الذي هو مصدر الخليقة

الــجمال عــند ســـلطان الــعاشقين

إما الجمال عند ابن الفارض
فهو يتجلى في نشوة الشاعر سكر بعناقيده أن تخلق الكروم
فجمال المحبوب عنده شمولي يراه في كل شيء
فليس موجود غير جميل ذلك
هو الواحد الكامل الجمال المتجلي
في وجوده يسبح على شراع جماله
والجمال أيضا يوقظ كوامن النفس من أعماق اللاوعي

ثم نجده يخاطب الله عز وجل فيقول
أنت كمال الجمال كل صورة تستمد منها حسنها
جمالك بعيد جليل أتعذب شوقا إليك
واجد الموت عذبا في سبيله
لقد كان الجمال وسيظل دائما
وأبدا ينهل منه الأدباء والشعراء والفنانون
وأهل الفكر من العلماء والواصلون
وسبحان مبدع الجمال في وجوده

الجمال بين الكمال والجلال 7fg7davox2px